آخر الأخبار

رائدة السلام في اليمن(سقطرى) ماذا يراد لها؟

الثلاثاء, 14 أبريل, 2020

منذ عصور ضاربة في نواة الزمن كانت ولا تزال سقطرى نموذجا رائدا في السلام واللاعنف والسعي نحو العفو والغفران مهما عظم الذنب واشتد الاعتداء ولا يعني هذا أن السقطريين خورا وجبناء لا يتحلون بالشجاعة، بل على العكس من ذلك فقد سطر السقطريون أروع النماذج في الشجاعة والنجادة والكرم ولو كلف الأمر خسارة أرواحهم وأموالهم.

وهناك الكثير من الحكايات الواقعية التي تظهر جوانب من الشجاعة لديهم، ولسنا بصدد سرد تلك الصور البطولية فهي أكبر من أن يحويها مقال أو يحيطها سرد موجز لكننا نسطر بعض المواقف التي تشير إلى المنحى البطولي لأهل الأرخبيل للتمثيل لا الحصر، من ذلك ما وقع في عهد الاحتلال البريطاني لعدن وحضرموت عندما أقبل الإنجليز بطائراتهم إلى سقطرى لإخضاع السلطان للانقياد تحت سيطرتهم ضمن مملكة حضرموت لكن السلطان تصدى لهم بكل جرأة وشجاعة وهو من  السلاح والعتاد الحربية سوى بضعة قطع عتيقة من السلاح الخفيف، ومع ذلك ذهب لمقابلة قائد الإنجليز بنفسه يمشي بخطى ثابتة واثقة، كأنه ملك الدنيا قاطبة، يتوكأ على باكورته الخشبيه على رأسه عصابة بيضاء، ويتوسط مئزره خنجر ذهبي، يرافقه ثلاثة من جنوده، ولم يخيفه ما اشيع أن الإنجليز يريدون قتله، بل أقبل نحوهم بكل شجاعة وخاطبهم بنبرة حادة بقوله:" سقطرى لا تريدكم ولا ترحب بكم ولا مكان لكم في سقطرى، يجب عليكم أن تغادروا سقطرى فورا وإلا ذبحناكم" فارتعدت فرائص القائد الإنجليزي وركب مروحيته وغادر ولم يعد، صحب موقف السلطان دعوات الناس وتضرعاتهم إلى الله أن يحفظ سلطانهم وأن يرفع الإنجليز.

 في الشأن الداخلي هناك الكثير من المواقف البطولية المتواترة في حكايات الناس ناهيك عن القصص القديمة والأساطير المليئة بمواقف غريبة يصعب تصديقها، ومن النماذج القريبة المثبتة أن بعض السلاطين كان جائرا وقاسيا في أحكامه يجبر الناس على الانصياع لتنفيذ قرارته عنوة؛ لكن مع ذلك برزت فئة من الناس ومن القبائل ترفض الجور ولا تنصاع للظلم وتأبى الاذلال... حكي أن أحد السلاطين منع رفع الأذان فأتي ببعض الرجال لم يمتثلوا الأمر فضربوا في مجلس السلطان بقسوة حتى فقدوا الوعي ومع حلول وقت صلاة الظهير صحى أحدهم من غفوة التعذيب وقام يؤذن في مجلس السلطان مما جعل السلطان يعفو عنهم لإصرارهم.

 إن التركيبة البيئية للأرخبيل تكسب الساكنين فيه الشجاعة والقوة وتحمل مخاطر الحياة فتجد الناس رجلا ونساء يواجهون أعثى الكوارث وأقسى ظروف الطبيعة يقفون صامدين متوكلين على ربهم فيما يأتيهم، وقد انذروا مرارا وتكرار عبر وسائل الأعلام بخطورة ما يأتيهم من أعاصير وأمطار ورياح لكنهم لم يستسلموا.

 إن طبيعة سقطرى المحروسة من كل جانب فرض على أبنائها أن يجنبوا بلادهم كل أنواع العنف والقتل والذمار، وأن يتمسكوا بالسلام وتوارث الأجيال وصايا الآباء والأجداد أن احرصوا إلا تسيل قطرة دم في سقطرى فضلا على أن تزهق فيها نفس، وهذا ما تسمعه في كل محفل وعند ظهور أي نزاع.

وفي ماضي الأيام كانت سقطرى منطقة تهذيب سلوك الأشرار حيث كانت الحكومات السابقة تنفي إلى سقطرى من تعجز عن ضبط سلوكهم، ومما يذكر في هذا المجال أن أحد الزعماء زار سقطرى فوجد أحد المحكومين بالنفي وديعا متدينا فتعجب من حالة وكان يظن أن سلوكه لا يمكن ترويضه.

 وفي الآونة الأخيرة بدأت الايدلوجيا السلمية السائدة في المنطقة تجنح نحو العنف بتعبئة خاطئة ضد الدين والدولة من قبل دول تسعى لسيطرتها على الأرخبيل عبر وسائلهم المادية فكانوا يشحنون الشباب تحت مسمى محاربة الإخوان والإرهاب واستعادة الدولة وغيرها من الشعارات الزائفة مستخدمة نفوذها المادية لتحقيق ذلك، وبحثوا عن الشاب العاطل ولفلفوا المقالين من المدراء والضباط والعسكر حتى كونوا فصائل وأفرقه ومعسكرات محاطة بأموال وسيارات وامكانات ضخمة، وهي بذلك تدفعهم نحو التمرد على الدولة والعبث بمصالح المجتمع، فاثروا الجنون على العقل والسكر على الصحو وتقلدوا البنادق واستحدثوا النقاط العسكرية كل ذلك بتمويل خارجي معلن. وقد وجدنا من هؤلاء من اعتدى على أخوه وابن عمه واقاربه بواسطة حجج واهية كاستعادة الدولة والشجاعة ومحاربة الاصلاح والإخوان وفساد السلطة إلى غيره. 

 وهذا المظاهر اقلقت العقلاء وايقظت مضاجع البسطاء فما تخيلوا أبدا أن السقطري يوجه بندقيته إلى سقطرى آخر فضلا أن يوجهه في وجه أقاربه أو على السلطة، ولم يتدربوا أبدا أن تقظ أصوات الرصاص مضاجع أولادهم وتخلع قلوب نسائهم. لذلك في كل لحظة عنف يبادر الكثير من العقلاء والمشايخ وأرباب الحكمة والدين للوساطة بين طرفي الصراع ، وربما هذا زاد من تمادي الطرف الآخر  فلم يتريث ولم يراع واستطال في اعتداءاته وتفاءل بطبيعة العفو الدائم.

خلاصة القول: هي دعوة للسلطات لتكريس الجهود للحفاظ  على هذه القيمة الجميلة، وهي دعوة لكل من يرتاد سقطرى أو يقطن فيها مقيما أو مواطنا أصيلا أننا ينبغي إلا نغير من طبيعة الأرخبيل الذي ركبه الله ليكون آمنا مسالما، ولا نغير من خاصية البنية التركيبية التي أودعها الله في الناس وهي حب السلام وكره العنف ونبذ القتل؛ حتى لا نكتب لأنفسنا لعنة الكائنات الآمنة بمختلف أنواعها ولعنة الأرض الرائدة بمنارها السلمي، ولعنة السماء التي تدم السعي في الأرض فسادا...وليحيى سكان دوما هذه الأرض يبنون السلام وينتجون الإحسان ويقدسون الدين والعرض.

المقال خاص بموقع "المهرية نت"