آخر الأخبار

مواسم الهجرة بين القرى والمدينة في سقطرى

الخميس, 01 أكتوبر, 2020

تحفل حياة الناس في أرخبيل سقطرى بكثرة التنقل وعدم الاستقرار في مكان واحد.. فنظرا لاتساع الأراضي وتباعدها وتنوع تضاريسها اتسعت الرغبة في تنويع أماكن العيش، وقد يكون هذا التنقل إجباريا دون رغبة و اختيار  وهو ما جعل الإنسان السقطري يتكيف مع كل الظروف فهو بدوي مع البدو وحضاري مع الحضر يتقن فنون البادية وماهر في أساليب الحضر وهو راعي مع الرعاة ومزارع مع المزارعين و صياد مع الصيادين وموظف وتاجر ومدير وتكنولوجي ماهر في أساليب المدنية والحضارة.
 
إن طبيعة سقطرى ومناخها وتضاريسها وتباعد مناطقها وقراها تحتم على الناس التنقل بين الريف والحضر، وهناك مواسم يتوجب على الفرد أن يعيش أوقاتها في البادية، وهذا ديدن 70% من الأسر السقطرية، أما النسبة الباقية 30% فهي أسر استقرت في المدينة ولم تبارحها ويوجد لأغلبها ارتباط وثيق في البادية ومن لم يكن لها إي ارتباط نجدها تمارس الطقوس البدوية في العاصمة فقد امتلكوا المواشي والمزارع وأدوات الصيد وهم يجيدون ممارسة هذه الفنون مثلهم مثل البدو  لا يفرقون عنهم في شيء.
 
أطلق المؤرخون قديما على القاطنين في سقطرى اسم البدو الرحل وهذه التسمية جاءت بصورة رسمية من التعليم، فقد أطلق الرئيس سالم ربيع على مدارس سقطرى عامة اسم مدارس البدو الرحل و فرض زيادة في الأجور للمعلمين الذين يذهبون إلى سقطرى تحت بند علاوة المخاطرة وعلاوة الريف وبدل السفر وغيرها من الامتيازات كما يكتب في أرواق المدارس الرسمية صادر عن مدرسة...من مدارس البدو الرحل واستمر ذلك إلى عهد قريب.
 
   ويقسم العلماء الهجرة إلى قسمين هجرة داخلية وخارجية، وفي سقطرى تضاف أنواع أخرى من الهجرة مثل الهجرة الداخلية من الريف إلى ريف آخر ومن المدينة إلى الريف أو العكس وقد مارس أغلب السقاطرة هذه الأنواع فمنهم من يعيش خارج اليمن فترة قد تصل أشهر وسنوات  في دول مثل الإمارات وعمان والسعودية بحثا عن العمل أو الدراسة أو العلاج ومن ثم يعود إلى وطنه.
 
أما عن الهجرة الداخلية بين المدن والمحافظات اليمنية فهو كثير بل هناك الكثير من الأسر تقضي موسم الخريف كاملا في حضرموت أو المهرة أو عدن ومن ثم تعود مع بداية العام الدراسي ولعل التزاحم الشديد في المطارات ومكاتب الطيران أثناء العودة والذهاب من وإلى الأرخبيل يبين مدى الإقبال على هذا النوع من الهجرة.
وهناك أيضا نوع آخر من الهجرة نستطيع إلحاقها بالهجرة الداخلية وقد سميناها الهجرة الداخلية الداخلية وهو تنقل الناس من المدينة إلى الريف ومن مدينة إلى أخرى ومن الريف إلى ريف آخر ولكل نوع من هذه الهجرات دواعيها وأسبابها.
 
و الهجرة الداخلية الداخلية نشاط السقطريين النصف سنوي حيث يمكث الناس في القرى والأرياف إلى الثلث الأخير من سبتمبر من كل عام ومن ثم يبدأ التجهيز للعودة إلى المدن الرئيسية (حديبوه وقلنسية) وهناك يقبلون على مآربهم المتنوعة فمنهم من يقطن في المدن لتعليم أولاده ومنهم من يمارس التجارة وآخرين يبحثون عن الوظائف والأعمال الحرة ومنهم من يحرص على نوعية التعليم وجودته كما أن أغلب  مدارس الريف تقتصر على التعليم الأساسي أما الثانوي فموطنه بدرجة أساسية في المدينة وكذا التعليم الجامعي يتمركز في حديبو دون غيرها .
 
 ويمكث الأهالي القادمون من الريف في العواصم مدة تقارب ثمانية أشهر ابتداء من أكتوبر إلى نهاية مايو من العام التالي، ويعودون بعدها إلى الريف فيمكثون فيه الأشهر الباقية من العام (يونيو ويوليو وأغسطس وحتى أواخر سبتمبر) ويتخلل ذلك زيارة الريف في بعض الأوقات مثل الإجازات العرضية والإجازة بين الفصلين والأعياد الرسمية وغيرها ومن الناس من يتعهد البوادي مساء كل خميس ويمكث إلى مساء السبت وذلك لتفقد المزارع والمواشي وكافة المصالح الشخصية أو العامة.
 
يعتبر غالبية الناس الريف موطنهم الأساسي ويرون أن المكوث في المدينة عرضي مؤقت ولو كانت فترة الإقامة في المدينة أطول منها في الريف فحياتهم في المدينة أشبه بالظعن المؤقت ولذلك تجد منهم من لا يمتلك بيوت خاصة في المدينة بل يشترك مع غيره  فيكفي للأسرة الواحدة البيت الواحد مهما اتسعت الأسرة وهناك من أبناء العمومة من يتشاركون مسكنا واحدا وليس بالغريب أن تجد مجموعة من أفراد القبيلة يجمعهم بيت واحد يتحقق فيهم المثل الشعبي (الوسع في القلوب) وهو من الأمثلة الشهيرة في سقطرى والمبدأ الاسلامي طعام الواحد يكفي الاثنين.
ومن الناس من يلجأ إلى البادية هروبا من قساوة العواصم وخاصة مع حلول فصل الخريف حيث تشتد الحرارة وتزداد سرعة الرياح الموسمية قوة بينما تنعم البوادي بأجواء ساحرة تعلوها السحب وتدغدغها زخات المطر الخفيف وبعضها ذات مناخ معتدل  ليس بالشديد البرودة ولا بالحار فلا تحتاج في الخارج إلى ظل و لا في الداخل إلى غطاء ومنها البارد الشديد البرودة وهي المناطق المرتفعة ومنها الحار ة ومنها المتوسطة الحرارة.
 
ومن ضمن الهجرة الداخلية الداخلية هجرة القاطنين في المرتفعات إلى المناطق الوسطى وذلك في وقت قصاص النخيل نظرا لبرودة الجو في المرتفعات ونزول أمطار خفيفة يعوق الثمار من النضج السريع لذلك يجلبونها إلى المناطق المنخفضة ذات الحرارة المتوسطة وهي هجرة قد تكون جزئية كما أنها لا تتجاوز شهرا واحدا.
وهناك هجرة أخرى وهي أن الراعي يتطلب بمواشيه مواطن العشب فيهاجر من موطنه إلى مكان آخر معشب ويمكث فيه إلى حين نزول المطر في بلاده ومن ثم يعود بعد فترة قد تصل إلى ثلاثة أشهر أو أكثر وتسمى هذه الهجرة باللغة السقطرية مرقيوه ومزهيروه فمعنى مرقية الذهاب إلى مواطن العشب ومزهيروه تعني العودة إلى القبيلة.
 
المقال خاص بموقع "المهرية نت "