آخر الأخبار

الشيخ عيسى سالم بن ياقوت السقطري

الخميس, 10 سبتمبر, 2020

 يخلد التاريخ في صفحاته رجالا عرفوا بمواقفهم النبيلة تجاه مجتمعهم ووطنهم ودينهم لأنهم سطروا مواقف مشرفة لن تنساها البشرية لذلك وجب على التاريخ أن يكتبهم في أبهى صفحاته وما تزال الإنسانية تلد مثل هؤلاء العظماء والشرفاء والشجعان على امتداد الزمان واتساع المكان، وكما قيل لكل زمان دولة ورجال وقد خلد التاريخ منذ بداية البشرية إلى عصرنا الحديث الكثير من الرجالات الذين صاروا نبراسا يقتدى بهم في شتى الأخلاق والمجالات والعلوم، وشعلة تحرق الباطل وتضيء الحق فمنهم من اشتهر بالشجاعة والقوة وذاك بالكرم والنجدة وآخر بالعدل والحكمة وما إلى ذلك من فنون الأخلاق وصنوف التعامل ومنهم من جمع بين صفات عدة.
 
وعلى الكتاب والشعراء والإعلاميين أن يخلدوا ذكر هؤلاء الأبطال من رجالات عصرنا كل في مجتمعه ووطنه كما خلد الأولون رجالات عصرهم النجباء فألفوا التراجم والموسوعات في سير الرجال لكي يكونوا قدوة لمن بعدهم وليبقى ذكرهم خالدا في ذاكرة الأمة.
 
وفي صفحات الأرخبيل رجال أبرار أخلصوا لوطنهم ومجتمعهم ودينهم وهم ليسوا قله ولن تستوعب مآثرهم مقالة قصيرة كهذه،  لذلك نختار من صفحات الأرخبيل في غير ما وقت شخصية فذه وقد كتبنا فيما مضي قطوفا من نضالات المحافظ ابن محروس وهنا وقع اختيارنا على الشيخ عيسى سالم عبدالله بن ياقوت شيخ مشايخ سقطرى.
 
   بدايةً الرجل لم يتجاوز الأربعين أي أنه ما زال في ريعان الشباب وعنفوان الطاقة وقد اشتهر في الداخل والخارج وهو ما زال بهذه الحداثة و نال ثقة مقادمة ومشايخ الأرخبيل عامة ليكون شيخهم العام فقلدوه منصب شيخ مشايخ سقطرى ومن يعرف الرجل ويجالسه ويسمع منه وعنه يستقل المنصب في حقه فقد في شارك الرجل في هموم وطنه خاصة ولم يقف عند هذا الحد بل آلمه ما يحصل لليمن عامة فجعل جل حديثه عن ذلك فصرخ واستغاث ودعا الشرفاء وجلب الداعمين للوقوف بجانب اليمن المكلوم وأن لا ينسوا سقطرى التي تحاك ضدها المؤامرات الجسيمة لكن يا ترى لمن يصرخ ولأجل ماذا يستغيث ومن أجل من  يندد ومن ينادي.
 
الشيخ عيسى بن ياقوت أبعدته سقطرى مذ كان شابا وإلى الآن ما زال يتردد على محافظات يمنية ودول عربية ولم يستقر به الحال في سقطرى سوى بضعة أشهر في كل عام وقد تمر به أعوام دون العودة إليها وهو من شغفه بها أنه يعادل المبيت بها ليلة على سواها من الديار مهما كانت الامتيازات، لكن هذا الغياب لبناء الذات ولأجل مصلحة الأرخبيل وعلى الرغم مما لاقاه من جحود ومحاربة وإبعاد لم يتنكر لسقطرى يوما من الأيام ولا استبدل في قلبه عنها بلاد بل وفاها حقها بمواقفه الوطنية النبيلة ودفاعه المستميت عنها مهما كان الثمن.
   يذكر  فضل سقطرى عليه فيقول: يكفي سقطرى أنها أنجبتنا لتكون بذلك أمنا التي نبرها وأبونا الذي نوقره وأخونا الذي نقدره ما عشنا ووجب علينا أن نكافئها بكل ما عندنا من وقت وجهد ومال هكذا فلتكن الرجولة ولتكن المشيخة وليكن الوفاء.
 
  كان بإمكان الشيخ أن يعيش معافى من أذى الناس وطلباتهم ومشاكلهم ومؤامرات الخيانة التي تحاك ضده لكنه فضل أن يعاني كل هذا العنت من أجل الوطن فقد تصدى له الخونة والمتآمرون والباعة وحاربوه حتى مع أخلص رجاله وأقاربه وأهله ومع ذلك لم يستسلم.
 
لم يشأ بن ياقوت أن يعيش دور الشيخ المادح الكاسب الذي يكسب من وراء مدحه لهذا وذاك ولهذه الدولة وتلك وكان بإمكانه أن يرتقى بكلمة إلى أعلى المستويات والمناصب ويحوز الأموال لكنه اختار جانب الوطن وسيادة الدولة وعرف دور الغازي والمحتل فقد ترسخت في ذهنه ترنم المرحوم والده بآيات من كتاب ربه:(إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ). فبصر قومه خيانة المحتل وبين عاقبة الخيانة.
 
   فتبعه على ذلك شرفاء القوم وخونة آخرون وشتموه. وأصدر التحالف مذكرة بحقة تمنعه من دخول الأرخبيل لكنه ترك كل التهديدات خلف ظهره ولسان حاله تهديدكم لا تعني لنا شيئا لأننا نناضل من أجل وطن ولدنا فيه وسيادة نسبنا إليها. وكم هو عجيب أن يحل الغريب في ديارك ويمنعك منها فهكذا كان حاله في بلاده يصدق فيه قول الشاعر :
نفيت واستوطن الأغراب في بلدي... ودمروا كل أشيائي الحبيبات
 
لولا أنه أبى هذا النفي وظل منافح عن بلده سقطرى الحبيبة  قائلا والله ما يقدر أحد أن يمنعني من دخول بلدي وفعلا دخل سقطرى وهو مرفوع الرأس وأستقبله الجمهور استقبال حاشد مرددين شعارات كلنا بن ياقوت وكلنا الشيخ عيسى وهذا التأييد الشعبي جعل التحالف في حيرة من أمره فقبلوا بحضوره فرضا لا حبا بوصفه أحد أبرز الشخصيات الهامة في المجتمع السقطري.
 
عيسى بن ياقوت لم تتح له الظروف لكي يتعلم التعليم النظامي كثيرا لكنه تعلم التعليم الذاتي فصار أحسن خطابا من الجامعي وأكثر فهما من السياسي وأحسن أخلاقا من المتدين وأشجع قلبا من العسكري وأكرم رفدا من القبيلي فقد أخذ من كل هؤلاء أحسن ما فيهم من الصفات والسجايا.
 
زرته مرة في مكتبه في سقطرى فحاول أن يمنحني شيئا من وقته فما استطاع لشدة تواضعه فهذا يناديه وذاك يريد أن يناجيه وآخر يطلب رأيه في قضية وذاك يريد أن يعطيه وعلى هذا الإجهاد ما تأفف ولم يغير من طيبته وسلوكه فكان يستقيم من مجلسه للكبير والصغير ويقبل الشيخ والعجوز وذو المكانة على رأسه ويستمع للأرملة والمسكين ويعطي ما وجد قائلا على الله التدبير خرجت من عنده يومئذ وأنا أردد على السليقة دون تدبيج:
ولما أن رأيت الناس مالو ا      إلى مداحك ابن يقوت سعيت
وما بي تباع القوم لكن         شهود الله في الأرض اقتديت
   مع هذه الإنسانية الراقية للشيخ  هناك مواقف مشرفة مع الدولة والسلطة المحلية. ولذلك تمنى الشرفاء والمخلصين أن يقبلوا رأسه على أن هناك مشايخ ورجالات دين صرحوا بتقبيل التراب الذي وقف عليه قائد عسكري متمرد على دولته وسلطته ووطنه وشتان بين هذا وذاك.
 
قيل في ابن ياقوت الكثير من الأقاويل وليست مهتما في الرد عليها أو تفنيدها وللرجل من يدافع عنه ولست من فريقه الإعلامي لكني أقوال في من يتكلم على الشيخ إن أقوالهم لغو  لا برهان لها وما يضير البحر أمسى زاخرا أن رمى فيه طفل بحجر.
 
و أريد توضيح شيئا واحدا وهو أن خصوم الرجل يقولون أن الشيخ يستلم دعمه من دول عدة وهذا القول إن صح فنعم التصرف ما قام به الرجل الحكيم ابن ياقوت حيث حول هذا الدعم لصالح تنمية بلده فأعطى منه الإنسان المحتاج والمعوز والمريض ونفذ المشاريع المتعددة وشارك في العديد من البرنامج التطويرية ودعمها في حين أن هناك دعومات بمبالغ هائلة لا تحصى تصرفها دول في أيدي أشخاص لا يكاد يرى البلاد منها سوى الفتنة والانقلابات والمؤامرات والدسائس ضد الدولة والمجتمع وهذه الأموال من كثرتها تكفي لإعمار اليمن كله فضلا عن إعمار بلد صغير مثل سقطرى التي لم يستقر فيها مشروع تنموي واحد.
 
    لا أريد الاسهاب ولا أتقصد التطويل في مدح ابن ياقوت وليس بمدح قولك للكريم كريم وإن كان الرجل فيه من المزايا والصفات ما يثقل الصفحات لكني أكتفي بقول زهير في وصف سيدين:
يمينا لنعم السيدان وجدتما          على كل حال من سحيل ومبرم
فأصبحتما منها على خير موطن     بعيدين فيها من عقوق ومأتم
عظيمين في عليا معد هديتما        ومن يستبح كنزا من المجد يعظم
  فنعم السيد ونعم الشيخ ابن ياقوت من ينجد قومه في فقره وغناه ويكفي الرجل أنه وقف يصرخ في كل القنوات يستغيث لإنقاذ سقطرى من الخطر القادم ويصدر البيانات تلو البيانات لأجلها وكان بإمكانه أن يكف نفسه ويسلم من الأذى ويتدرع بالقول العاذر (لسقطرى رب يحميها) لكن فهم الرجل لهذا القول من منظور آخر وهو أن ربنا خلقنا رجالا لحماية سقطرى وثقتنا أن الله سيكون معنا.
   ومما خلصت إليه تجاربنا مع الداعمين أنهم لابد أن يستخدموا كل ثروات البلد لخدمة مصالح بلدانهم ومصالحهم الشخصية لكننا لم نرى من ابن ياقوت إلى الآن غير التنمية والكرم والرجولة في أي دعم جلبه ولو رأينا غير هذا لتكلمنا به ولا نخشى أحدا هذا مذهبنا وديننا وقناعتنا.  
 
    وأخيرا لن تكفي بضعة سطور جزاء للمخلصين من رجالات سقطرى لكنها قد تكون بداية طريق للكتاب والمبدعين من أبناء الأرخبيل لبحث مناقبهم وترشيد الناس بفضلهم وتشجيعهم وتخليد سيرتهم ولو يستطيع خيالي غير هذا لمنحته ولو ينطلق لساني بالمزيد ما بخلته،  وفي الختام  أسأل الله ليكون في عونه وعون المخلصين والمدافعين عن الأرض والعرض والدين والإنسان،  والله الموفق.
المقال خاص بموقع المهرية نت