آخر الأخبار

موجة الحر الشديد تكشف عن قصور شبكات الكهرباء العربية

المهرية نت - الأناضول
الإثنين, 24 يوليو, 2023 - 10:44 مساءً

مع موجة الحر الشديد التي تشهدها الدول العربية الشهر الجاري، وارتفاع درجات الحرارة حتى 50 درجة مئوية في بعض المناطق، يزداد الضغط على شبكات الكهرباء في كثير من الدول العربية، مع اشتداد الطلب عليها، ما يؤدي إلى انقطاعات في التيار الكهربائي لساعات، ويضاعف ذلك من معاناة الناس.

 

وبينما لم تأخذ دول عربية احتياطاتها مسبقاً في هذا الصيف القائظ، نجحت دول أخرى في تفادي الأسوأ، بعدما عانت في أعوام سابقة من انقطاعات في التيار الكهربائي لساعات طويلة، بفضل استثمارات بمليارات الدولار رفعت من قدرات الإنتاج، واستطاعت مواجهة ذروة الطلب هذا العام.

 

ويشهد سكان عدة دول عربية تعاني من نزاعات مسلحة أو أزمات سياسية انقطاعات لساعات يومياً في الكهرباء، على غرار السودان واليمن وفلسطين وسوريا ولبنان.

 

فقد تسبب القتال المندلع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي إلى انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة الخرطوم، وعدة ولايات ومناطق على غرار إقليم دارفور (غرب).

 

وتسبب ذلك في عدة مآسي منها وفاة 30 رضيعاً حديث الولادة في ولاية شرق دارفور لوحدها، ما بين 15 أبريل و25 مايو/أيار الماضيين، وفق منظمة الصحة العالمية.

 

والوضع في اليمن ليس أقل سوءاً، إذ أن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة تتجاوز أحياناً 18 ساعة يومياً دفع الناس في محافظة لحج للخروج في احتجاجات مع اشتداد حرارة الصيف وانتشار الأوبئة ومعاناة أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن.

 

ويواجه اليمن أزمة كهرباء خانقة، بالنظر لاستنزاف وقود محطات الكهرباء حصة هامة من ميزانية الحكومة، التي تقلصت بعد توقّف صادرات البلاد النفطية بعد هجمات الحوثيين.

 

وتساهم منحة المشتقات النفطية السعودية في تخفيف أزمة الكهرباء في اليمن، لكن الوضع مازال صعباً. وتجلى ذلك في تقديم لجنة مناقصات شراء الوقود استقالة جماعية للحكومة.

 

في قطاع غزة المحاصر، لا يختلف الأمر كثيراً، فانقطاع الكهرباء في الأيام العادية مسألة شائعة، إذ تطبق شركة الكهرباء نظام 8 ساعات وصل و8 ساعات قطع، لكن الأمر يصبح أعقد في يوليو/تموز وأغسطس/ آب من كل عام، حيث ترتفع الحرارة لدرجات شديدة ما يزيد معها استهلاك الطاقة الكهربائية بسبب استخدام مُكَيِّفات الهواء.

 

وعادة يرتفع الطلب إلى 550 ميغاواط من الكهرباء يومياً في الصيف، في الوقت الذي لا تنتج محطة توليد الكهرباء في القطاع سوى 60 ميغاواط، ما يعني حدوث عجز لساعتين إضافيتين في ساعات وصل الكهرباء، بحسب شركة الكهرباء الفلسطينية.

 

وفي سوريا لا يحتاج الأمر إلى ارتفاع درجات الحرارة لتنقطع الكهرباء، فأغلب محافظات البلاد تعاني من الأعطال التي أصابت شبكات الكهرباء بسبب تداعيات الوضع الأمني المتردي منذ 2011، أفقدتها نحو 6.5 آلاف ميغاواط من قدرات توليد الكهرباء.

 

وخلال الأيام الماضية غرقت العاصمة السورية وكافة المحافظات في ظلام دامس، بسبب أعطال وحريق في محطة لتوليد الكهرباء في ريف دمشق، بحسب ما تم الإعلان عنه.

 

ورغم المساعدات الإيرانية، فإن نقص الوقود اللازم في تشغيل محطات توليد الكهرباء السورية تسبب في ارتفاع ساعات القطع الكهربائي إلى 22 و23 ساعة يومياً أحياناً، وفق موقع الجزيرة نت.

 

وفي لبنان يلجأ كثير من المواطنين والشركات إلى المولدات الكهربائية الخاصة لتأمين ساعات إضافية بعد انقطاع الكهرباء والذي يتراوح ما بين 18 و20 ساعة، مع ارتفاع درجات الحرارة.

 

أما في تونس، فقد طلب الرئيس قيس سعَيِّد من المسؤولين في قطاع الكهرباء العمل على وضع حدّ للانقطاع المتواصل الكهرباء في عدد من جهات البلاد في أسرع الأوقات.

 

ويشكل وضع الكهرباء في العراق مفارقة تلفت النظر. فرغم استقرار الوضع الأمني نسبياً وتوفر إنتاج ضخم من النفط واحتياطات لا بأس بها من الغاز الطبيعي، إلا أن انقطاعات الكهرباء مازالت متواصلة، بل تصل إلى مستويات مثيرة للغرابة (16 ساعة يومياً) ما أثار غضب العراقيين خاصة بعد ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية في بعض محافظات الجنوب، دفعت الناس للخروج في مظاهرات حاشدة وقطع للطرقات، في مشهد ينذر بتكرار احتجاجات الصيف الماضي.

 

وتُرجع وزارة الكهرباء العراقية سبب انقطاعات الكهرباء لساعات طويلة إلى وقف إيران إمدادات الغاز الذي يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، نظرا لعدم سداد بغداد ديونها المستحقة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.

 

ويصل العجز في إنتاج الكهرباء في العراق إلى نحو 13 ألف ميغاواط، وهو ما يمثل أكثر من 50 في المئة من إنتاج محطات الكهرباء العراقية، وفق تصريحات رسمية.

 

لكن المفارقة الأبرز تتمثل في مصر، التي تمكنت خلال الأعوام الماضية من تجاوز العجز في توليد الطاقة الكهربائية، بفضل اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط، وتحقيقها اكتفاءاً ذاتيا في إنتاج الغاز وتحولها سريعا إلى مُصَدِّر صافٍ.

 

ومع ارتفاع درجات الحرارة لما فوق 40 درجة مئوية واقترابها من 50 درجة في الجنوب، ووصول الطلب على الكهرباء إلى مستويات تاريخية بحسب الشركة القابضة لكهرباء مصر، شهدت عدة مناطق في البلاد على غرار القاهرة الكبرى وبور سعيد وسيناء وأسوان انقطاعا للتيار الكهربائي لنحو 6 ساعات.

 

وهذا أمر لم تعهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من فائض في الإنتاج الذي يصل إلى 10 آلاف ميغاواط مقابل استهلاك بلغ ذروته عند 34.6 ألف ميغاواط، وفق موقع الطاقة المتخصص.

 

وأرجع موقع «القاهرة 24» انقطاع التيار الكهربائي، إلى «نقص إمدادات الغاز لمحولات الكهرباء، مما نتج عنه توقف المحولات وخروجها بشكل مؤقت عن العمل».

 

ولم تُصدّر مصر الغاز منذ يونيو/حزيران الماضي، مع دخول الصيف وازدياد الطلب، وتعتزم استئناف التصدير في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وفق ما أعلنه وزير البترول طارق المُلّا.

 

كذلك تمثل ليبيا مفارقة عربية أخرى، إذ أنها من الدول المصدرة للغاز الطبيعي المستخدم بكثرة في توليد الكهرباء، ومع ذلك مازالت لم تتجاوز مشكل انقطاع التيار الكهربائي لساعات، رغم إشادات نشطاء إعلاميين بالنتائج التي حققتها الشركة العامة للكهرباء، خاصة في فترتي الشتاء والربيع.

 

غير أن الامتحان الحقيقي يكمن في الصيف، خاصة مع وصول درجات الحرارة إلى ذروتها في يوليو/تموز وأغسطس/آب، وتلويح أطراف سياسية وقبلية باستخدام أبار النفط والغاز كسلاح ضغط لتحقيق أهداف سياسية، ما سيُعقّد من مهمة القائمين على قطاع الكهرباء، وسيفاقم معاناة المواطنين.

 

وانقطاعات الكهرباء في ليبيا متفاوتة من منطقة إلى أخرى وتتراوح ما بين 5 إلى 12 ساعة يومياً، حيث شهدت بعض المناطق احتجاجات محدودة بسبب انقطاع الكهرباء لساعات أطول من مناطق أخرى.

 

وتنتج ليبيا نحو 8.2 ألف ميغاواط من الكهرباء، غطت احتياجاتها في الربيع الفائت، إلا أن الطلب على الكهرباء في الصيف يصل ذروته إلى نحو 10 آلاف ميغاواط، ما يتسبب في عجز بنحو ألفي ميغاواط يومياً، يتم معالجته بقطع التيار الكهربائي لساعات عن المدن والقرى بشكل متفاوت، أو ما يسمى بطرح الأحمال.

 

واجتهدت شركة الكهرباء الليبية في صيانة عدة محطات كهرباء وكابلات وخطوط نقل الكهرباء المتضررة بسبب القتال خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى مشاريع لإنشاء محطات جديدة، بهدف الوصول إلى 14 ألفا و834 ميغاواط بحلول عام 2025، و21 ألفا و669 ميغاواط بحلول عام 2030.

 

والمفارقات العربية لا تتوقف عند هذا الحد، ففي موريتانيا التي حققت في 2016 فائضا في الكهرباء بإنتاج بلغ 480 ميغاوات، في حين بلغ الطلب 100 ميغاوات، يعيش نحو نصف مواطنيها من دون كهرباء، وفق وزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني عبد السلام محمد صالح.

 

ففي الوقت الذي تسعى نواكشوط لجمع تمويل بمليار دولار لربط شبكتها الكهربائية بشبكة مالي، لتصدير الكهرباء لها، يواجه سكانها صعوبات في الحصول على خدمات جيدة للكهرباء، في ظل ضعف الشبكة والحاجة إلى تجديدها وتوسيعها.

 

إلا أنه من المتوقع أن تحقق موريتانيا طفرة في إنتاج الكهرباء بعد انتهاء أشغال تطوير حقل غاز السلحفاة/ أحميم نهاية العام الجاري أو مع بداية 2024، ناهيك عن الاستثمارات الأجنبية المتوقعة في قطاع الطاقات النظيفة، والتي من شأن تنفيذها جعل البلاد مركزا للطاقة في غرب أفريقيا.

 

أما المغرب فيلجأ لتغطية العجز في إنتاج الكهرباء عبر استيرادها من إسبانيا، بعد وقف الجزائر تصدير الغاز إليه عبر خط أنابيب المغرب العربي في 2021، والذي كان يغذي حينها محطتين لإنتاج الغاز، وفق موقع الطاقة.

 

وبالنسبة للجزائر التي سجلت ذروة تاريخية غير مسبوقة في استهلاك الكهرباء بلغت مؤخراً 18 ألفا و476 ميغاوات، إلا أن إنتاجها الذي يبلغ 25 ألف ميغاواط مكنها من احتواء هذا الارتفاع القياسي في الاستهلاك.

 

وتسعى الجزائر لتصدير الكهرباء لدول شمال أفريقيا وجنوب أوروبا خاصة ليبيا وإيطاليا، بعد استكمال عمليات الربط الكهربائي بين الشبكات.

 

كما الأردن يحقق فائضاً في إنتاج الكهرباء ويصدر جزءاً منه إلى فلسطين والعراق وإسرائيل ويسعى إلى التصدير إلى لبنان وحتى إلى مصر عند الضرورة.

 

يذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج الكهرباء، بفضل هيئة الربط الكهربائي التي أنشئت في 2001، والتي تسعى لإتمام الربط الكهربائي مع العراق قريباً.


كلمات مفتاحية:
تعليقات
square-white المزيد في عربي