آخر الأخبار
الجارديان تسلّط الضوء على جحيم طرق هجرة الأفارقة للسعودية عبر اليمن (ترجمة خاصة)
قالت الهجرة الدولية إن أكثر من 96 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا شواطئ اليمن في 2023م
الخميس, 12 ديسمبر, 2024 - 04:52 مساءً
نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، مقالاً لفريد هاتر، وهو مراسل مستقل مقيم في شرق أفريقيا، تطرّق فيه لطرق الهجرة التي يسلكها الأفارقة عبر الأراضي اليمنية بهدف الوصول إلى المملكة العربية السعودية.
وحمل المقال عنوان: "قبور مهجورة وعظام متناثرة،حجم الكارثة الإنسانية لواحدة من أكثر طرق الهجرة إهمالاً وأسرعها نمواً".
وقال هاتر إن آلاف المهاجرين اليائسين يلقون حتفهم في الصحراء والبحر، أو يقعون ضحايا للقتلة والخاطفين، أثناء رحلتهم على طول "الممر الشرقي" من إثيوبيا إلى المملكة العربية السعودية.
وأشار أن الشاطئ في أوبوك (مدينة ساحلية صغيرة في جيبوتي)، مغطى بالحطام، ومعظمه من الكارثة التي وقعت في أكتوبر/تشرين الأول والتي غرق فيها ما لا يقل عن 45 مهاجراً تم ترحيلهم من اليمن بعد إجبارهم على النزول من القوارب إلى الماء.
وتابع: "تتناثر العظام على أرض الصحراء، بالقرب من الشاطئ. إلى جانب بعض الملابس الممزقة، ورقة نقدية واحدة، وبطاقة هوية باهتة، هذه هي كل ما تبقى من شاب إثيوبي ضحى بكل شيء من أجل فرصة حياة أفضل في المملكة العربية السعودية."
مرتديا ًكمامة جراحية، يجمع الدكتور يوسف موسى، من المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، العظام في حزمة ويقوم بدفنها في قبر مؤقت. سيتم مشاركة إحداثيات الموقع مع السلطات في أوبوك، وهي مدينة ساحلية صغيرة في جيبوتي. لكن نظرًا لأن المقبرة المحلية ممتلئة تقريبًا، فمن المحتمل أن تظل هنا في هذه البقعة الصحراوية المنعزلة على بعد بضعة أميال إلى الشمال.
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار، توجد مقابر أخرى، تميّزها أكوام من الحجارة السوداء، شاهدة على مخاطر الرحلة. يقول يوسف، مشيراً إلى التلال: "هذان القبران يضمّان خمسة أشخاص. هذا القبر يضم 43، وآخر 50. خلف ذلك التل، توجد المزيد التي تضم اثنين، وثلاثة، وخمسة، وسبعة.
يشير التقرير أن بعض هؤلاء الأشخاص ماتوا بسبب العطش أو المرض في الصحراء، بينما غرق آخرون في كوارث في عرض البحر. وهم ضحايا أحد أكثر طرق الهجرة غموضا والأسرع نمواً في العالم، والذي تعرفه منظمات الإغاثة باسم "الممر الشرقي.
وقالت الصحيفة إن هذا الطريق يعتمد عليه في الغالب المهاجرون الإثيوبيون الفارون من الصراعات والأزمة المناخية والفقر في وطنهم، والذين يسافرون في قوارب صغيرة من أرض الصومال وجيبوتي، عبر خليج عدن، إلى اليمن المنكوبة بالحرب. ومن هناك يعبرون إلى المملكة العربية السعودية سيراً على الأقدام، أملاً في العثور على عمل.
وتتابع: "وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، وصل 96670 مهاجراً غير نظامي إلى شواطئ اليمن العام الماضي، بزيادة قدرها 32% عن عام 2022. ويعتقد موسى أن المزيد من المهاجرين يسلكون هذا الطريق جزئيًا بسبب الحرب في السودان، مما جعل من الصعب على الإثيوبيين الوصول إلى ليبيا لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا".
ويشير المراسل أن "هذا الطريق لا يحظى إلا بقدر ضئيل من الاهتمام العالمي، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المهاجرين غير متجهين إلى أوروبا أو أميركا الشمالية".
ويقول موسى للصحيفة: "لا يعرف الناس الكثير عن هذا الطريق. يتحدث الجميع عن البحر الأبيض المتوسط، ولكنك لا تسمع إلا نادراً عن الممر الشرقي".
يلفت المراسل الانتباه إلى أن تلك "رحلة محفوفة بالمخاطر عبر بعض من أكثر التضاريس صعوبة في العالم . للوصول إلى جيبوتي يجب على المهاجرين عبور مساحات شاسعة من الصحراء وحقول من الصخور البركانية الحادة، مع ندرة المياه ودرجات الحرارة التي يمكن أن تصل إلى 50 درجة مئوية (122 درجة فهرنهايت) في الصيف. بعد عبور البحر، يجب عليهم التفاوض لدخول مناطق الحرب في اليمن".
وقال: "على طول الطريق، يقعون فريسة للمهربين وقطاع الطرق وأفراد الميليشيات. ويتعرض المهاجرون الذين لا يستطيعون دفع الأموال للمتاجرين بهم للاحتجاز والتعذيب بشكل روتيني حتى تدفع أسرهم المال لإطلاق سراحهم. يعد العنف الجنسي أمرا شائعا ضد النساء، اللاتي يشكلن 21% من المهاجرين".
وأضاف :"وإذا ما تمكنوا من الوصول إلى الحدود السعودية، فإن المهاجرين يواجهون هجمات من حرس الحدود السعودي. وجد تقرير لمنظمة العفو الدولية العام الماضي أن مئات، وربما آلاف المهاجرين، قتلوا على الحدود "في نمط واسع النطاق ومنهجي". تقول ناديا هاردمان، مؤلفة التقرير، إن حرس الحدود يطلقون النار على المجموعات الصغيرة ويطلقون قذائف الهاون على المجموعات الكبيرة لردعهم عن العبور".
تقول هاردمان: "كل شيء يشير إلى سياسة إطلاق النار بهدف القتل على أي شخص يعبر الحدود بشكل غير قانوني. لا أعرف أي قوة حدودية تقتل وتدفع المهاجرين الى الوراء بهذه الوحشية".
يشير التقرير أن نقطة المنتصف لأغلب رحلات المهاجرين في أوبوك تقع بالقرب من أضيق نقطة في خليج عدن، المضيق المعروف باسم باب المندب. يبلغ عرضه 20 ميلاً (32 كيلومترًا)، أي ما يعادل تقريبًا عرض مضيق دوفر. يمكن للقوارب الصغيرة عبور هذا الممر الملاحي المزدحم، الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، في حوالي ساعة .
ووفق التقرير سجلت المنظمة الدولية للهجرة نحو 1400 حالة غرق منذ عام 2014. ومن المرجح أن هذا لا يمثل سوى جزء ضئيل من إجمالي عدد حالات الغرق. فكثير من الوفيات لا يتم تسجيلها عندما تجرف الجثث إلى البحر؛ ويموت المزيد من الناس في مناطق نائية من الصحراء أو على الحدود السعودية.
وأشار المراسل فريد هاتر "المأساة الكبيرة"، التي وقعت في أكتوبر عندما أمر قباطنة يعيدون المهاجرين قسراً من اليمن إلى جيبوتي الناس بالنزول من سفنهم وأمروهم بالسباحة إلى الشاطئ. وغرق ما لا يقل عن 45 شخصًا ولا يزال أكثر من 100 في عداد المفقودين .
وقال: "بعد شهرين، تتناثر على الشاطئ زجاجات ونعال ملقاة خلفها مهاجرون في الاتجاه المعاكس. ويوجد قاربان مهجوران على الشاطئ بعد أن دمرهما خفر السواحل الجيبوتي. وعلى مسافة قصيرة، تجلس مجموعة من المهاجرين بجوار شاحنة صغيرة تابعة لمهربين. وسوف يعبرون بمجرد حلول الليل".
يتابع: "على حافة أوبوك، ينتظر أبيبي أيضاً القيام بالرحلة. فقد عمل ذات يوم تاجراً للفحم في منطقة أمهرة الإثيوبية، لكن الصراع المدني دمر عمله. ويقول أبيبي: "الوضع خطير ولا يوجد عمل. ويغادر كل الشباب تقريباً بحثاً عن عمل والابتعاد عن الحرب".
وكان أبيبي قد وعد المهربين بدفع 160 ألف بر إثيوبي (حوالي 1000 جنيه إسترليني) بمجرد وصوله إلى اليمن . وهو لا يملك المال لكنه يأمل أن تتمكن أسرته من العثور عليه بمجرد وصوله من خلال بيع أرض أو الاقتراض من الجيران.
"إذا لم يحدث هذا، فإننا نعلم أننا قد نتعرض للسجن والتعذيب"، كما يقول أبيبي. "إنها مخاطرة كبيرة، ولكن ليس لدي خيار آخر".
عند نقطة مياه قريبة، يستعد تويلدي لخوض رحلة العبور الثانية. عندما قام برحلته الأولى في عام 2021، مر بجثث متعفنة وهياكل بشرية على الحدود اليمنية السعودية.
وخلال محاولته الحالية، تعرضت مجموعته لهجوم من قبل رجال مسلحين في الصحراء. أخذوا كل ما كان لديه: أمواله وهاتفه المحمول وحتى ملابسه.
يقول تويلدي للمراسل: "جمعونا جميعًا، وأخرجوا قنبلة يدوية وقالوا: إذا لم تعطونا كل ما لديكم، فسوف نفجرها". وفي لحظة ما، أطلقوا النار، مما دفع تويلدي إلى الركض إلى الصحراء .
يوجد الكثير من المخاطر في البحر وفي الصحراء"، كما يقول. "أتوقع المزيد من التحديات، بل وأشياء أسوأ، لكنني لا أستطيع العيش في تيغراي. لا يوجد عمل".
ويأمل الرجال الذين يمرون عبر أوبوك في العثور على عمل في مواقع البناء، أو حفر قنوات الري، أو رعي الأغنام مقابل 1000 إلى 1500 ريال سعودي (210 إلى 315 جنيها إسترلينيا) شهريا. وهذا ليس كثيرا، ولكنه أكثر بكثير مما قد يأملون في كسبه في وطنهم في إثيوبيا. وتخطط النساء للعمل كخادمات في المنازل؛ وفق التقرير.
يمضي المراسل هاتر في تقريره بالقول: "في المدينة، يتسكع المهاجرون الإثيوبيون الشباب خارج المطاعم، على أمل انتزاع حفنة من بقايا الفاصوليا أو الأرز قبل أن يطاردهم النوادل. وعند الغسق، يذهبون إلى شاطئ الميناء المليء بالقمامة للنوم".
ويعرض هاتر جانبًا مما يعيشه المهاجرون، ويضيف: "لقد خاض العديد من هؤلاء الرحلة الشاقة إلى هنا دون مساعدة من المهربين، حيث كانوا يسألون البدو عن الطريق ويعيشون على زجاجات المياه التي يرميها سائقو الشاحنات المارة من النوافذ. وكانوا يأملون في جني المال في أوبوك لدفع تكاليف عبور البحر، ولكن العمل هناك قليل والآن أصبحوا عالقين في العراء".
وقال المراسل إن المنظمة الدولية للهجرة تبذل قصارى جهدها للمساعدة. وتقوم فرقها بدوريات في الصحراء حاملة صناديق من التمر والماء ومجموعة أدوات طبية لمساعدة أولئك الذين يواجهون مشاكل. كما تساعد المهاجرين العالقين في العودة إلى ديارهم. ولكنها تكافح للتعامل مع آلاف المهاجرين الذين يمرون عبر أوبوك كل يوم.
لكن الصحيفة البريطانية تنقل عن موسى من المنظمة وهو يقول: "لا يمكننا مساعدة الجميع، هذا مستحيل لكننا نأمل في مساعدة الأكثر ضعفًا".
ومن بين هؤلاء عمر، وهو شاب خجول يبلغ من العمر 18 عاماً غادر إثيوبيا عندما جرفت الأمطار الغزيرة مزرعة عائلته. وبينما كان يسير عبر الصحراء، أحصى جثث عشرة أشخاص لقوا حتفهم في الطريق. وترك ثلاثة من مجموعته وراءه، وكانوا ضعفاء للغاية لدرجة أنهم لم يتمكنوا من المشي .
يتابع: "وبعد وصول قاربه إلى اليمن، أمرهم القبطان بالنزول إلى المياه التي بلغ ارتفاعها أعناقهم والخوض إلى الشاطئ. ولم يتمكن العديد منهم من الوصول إلى الشاطئ. وبعد فترة وجيزة اختطفته عصابة مسلحة".
وأوضح أن العصابة احتجزت عمر في غابة مع عشرات آخرين، حيث ضربوه بالعصي والقضبان المعدنية وطلبوا فدية قدرها 150 ألف بر للإفراج عنه. وفي إحدى المرات، صوب خاطفوه مسدساً إلى رأسه. يقول عمر: "كنا جميعاً ننزف ونشعر بالإرهاق. قالوا: إذا لم يكن لديك المال، فسوف نقتلك".
في مركز المنظمة الدولية للهجرة في أوبوك، يعرض عمر الندوب على معصميه من جراء السلاسل التي استُخدمت لتقييده. وفي نهاية المطاف، أُطلق سراحه بعد أن قامت عائلته بتحويل الأموال. وبعد أن ألقاه الخاطفون على جانب الطريق، ألقي القبض عليه وأُعيد إلى جيبوتي. والآن كل ما يريده هو العودة إلى وطنه.
واختتم المراسل فريد هاتر تقريره للجارديان البريطانية بجملة قالها عمر: "قال لي السمسار إن الطريق آمن ولن تكون هناك أي مشاكل وسأصل إلى اليمن بسهولة، لكن كل هذا كان كذبة".
للإطلاع على المادة الأصلية من هنا