آخر الأخبار

اليمنيون في السعودية.. ترحيل قسري وسجن ومعاناة بلا توقف (تقرير خاص)

عمال يمنيون

عمال يمنيون

المهرية نت - خاص
الإثنين, 18 ديسمبر, 2023 - 11:46 صباحاً

يسلك الكثير من اليمنيين درب الهجرة من اليمن في السنوات الأخيرة، لأسباب قاهرة، تجعلهم يتحملون المصاعب الشاقة لخوض رحلة محفوفة بالمخاطر، بحثاً عن فرصة متاحة يستطيعون معها العمل وتوفير لقمة العيش لهم ولأسرهم، في وطن تمزقه الحروب وتعصف به الأزمات الاقتصادية، وتنعدم فيه فرص العمل.

 
 
وفي ظل استمرار عدم الاستقرار السياسي في البلد، تستمر معاناة المهاجرين اليمنيين في الخارج، خصوصا في السعودية، بالتزامن مع اليوم العالمي للمهاجرين الذي يصادف 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام. 
 
 
 
وبعد إجراءات الحكومة السعودية في الفترة الأخيرة، يتصدر اليمنيون قائمة الجنسيات الأكثر تأثراً بهذه الإجراءات في الوقت الذي تتهم فيه السعودية بأنها صاحبة الحصة الأكبر من دوافع هجرة اليمنيين عن بلادهم خلال السنوات الأخيرة منذ إعلانها الحرب ضد الحوثيين ودخول اليمن في مستنقع الصراع.
 
 
*معاناة بين سيف الكفيل وشتات الغربة
 
 
منذُ العام 2017، زادت معاناة المهاجرين اليمنيين في المملكة العربية السعودية، حين أصدرت المملكة حزمة قرارات داخلية تتعلق بسوق العمل والعمالة الوافدة، قرارات مست بشكل مباشر المغتربين اليمنيين وأصابت استقرارهم المعيشي في مقتل.. ضرائب تصاعدية فرضت على كل مهاجر يمني الذي يقطن بلاده المتضررَ الوحيدَ من الحرب السعودية، فمئات الآلاف من العمال الموجودين في المملكة يتعرضون يومياً للعنصرية، والإساءة والإهانة من كفلائهم في العمل.
 
 
ويتحكم الكفيل السعودي في أموال العامل اليمني، ووضعه القانوني، وإمكانية ترحيله أو بقائه، رغم اتفاقيات وُقِّعت بين البلدين حول ضرورة معاملة اليمنيين في السعودية معاملة السعودي نفسها.
 
 
يقول المغترب اليمني، عمار صالح، العائد إلى اليمن منذُ خمسة أشهر، أنه ضاق ذرعاً بالغربة وممارسات الكفيل السعودي والحكومة السعودية، وبأنه تعرّض للنَّصب مراراً من قِبل المقاولين وجهات العمل، التي تؤخّر رواتبه لأشهر، أو ترفض دفعها، وأن قرار الهجرة إلى السعودية كان أكبر قرار خاطئ يتخذه في حياته كلها".
 
 
يقول عمار للمهرية نت ": "نعاني ونكدح ونتعب في السعودية والعائد المادي، الذي كنا نحصل عليه، أحياناً نحول جزءا منه لأسرنا في داخل البلاد، وما تبقى لا يكفي لسداد حق الكفيل، والرسوم المقرر دفعها لصالح الحكومة السعودية".
 
 
المغترب عمار صالح، فني كهربائي، ينحدر من إحدى الأسر الفقيرة في محافظة حجة، كان يمتلك إقامة مدوّنّ عليها "مهنة سائق خاص"، وهي واحدة من المهن التي تدرج السلطات السعودية حاملها ضمن العمالة السائبة، وتلزمه بالعمل لدى كفيله، وتحظر عليه مزاولة أي نشاط آخر.
 
 
وتنفّذ السلطات السعودية، بين حين وآخر، حملات ضد العمالة المخالفة، وتحتجزهم لأيام، وتقوم بتغريمهم، ومن ثم ترحيلهم إلى بلدانهم، الأمر الذي كان يجبر عمار على البقاء في مسكنه لأسابيع، والتوقّف عن العمل، خشية وقوعه في مصيدة تلك الحملات.
 
 
ويتابع عمار حديثه : في مساء ليلة جاءت قوات سعودية لمكان عملي، بعد بلاغ هروب من كفيلي السعودي، ثمّ عصبوا على عيني، وتم أخدي لمركز شرطة قريب ولم يسمحوا لي برؤية محامي أو السؤال عن تهمتي، واتصلوا بكفيلي الذي حضر للتوقيع على الأوراق الخاصة بترحيلي، والذي لم يتم إلا بعد 7 أشهر قضيتها في السجن.
 
 
ويواجه كثير من المهاجرين في السعودية عمليات ترحيل قسري إلى اليمن بحُجة مخالفتهم قوانين العمل، كما اتخذت بعض المؤسسات والكفلاء السعوديين قرار الخروج النهائي بحق عشرات المكفولين لديها، بفعل حظر القانون السعودي عليها مواصلة كفالتهم.
 
 
*بيئة معادية
 
 
نتيجة استمرار الصراع في اليمن لفترة طويلة، وانعدام أي حلول اقتصادية للوضع المعيشي الصعب في اليمن، هاجر الكثير من اليمنيين، للعمل في السعودية، الآلاف من هؤلاء هم أصحاب مؤهلات عليا ويعملون في مجالات التعليم والطب ومهن أخرى في جميع أنحاء المملكة، ومع ذلك، أصبحت الحياة صعبة بشكل متزايد، بعد سعي الحكومة السعودية إلى توظيف المزيد من مواطنيها في القوى العاملة.
 
 
"لم تترك لنا السلطات السعودية أي خيارات جانبية أو حلول أخرى تمكننا من العيش والبقاء في المملكة، لقد وضعت كثيرا من المقيمين أمام وضع حرج، ومرهق لكثير من اليمنيين”، بهذه الكلمات تحدث عبدالكريم يحيى قاسم لموقع "المهرية نت"، وهو من أبناء محافظة ريمة وأحد المغتربين في المملكة منذ سبع سنوات.
 
 
ويضيف عبدالكريم: "لم استطع البقاء، بعد غربة استمرت سبع سنوات، زاولت فيها العديد من الأشغال الشاقة، ومن البحث لإيجاد كفيل آخر، وتغيير المهنة من عامل منزلي إلى عامل حر، فاخترت مغادرة السعودية، بعد المضايقات والقيود والمعاناة والصعوبات، وتحول الغربة إلى جحيم لا يطاق".
 
 
وتابع أن" متوسط الدخل العام الشهري للمغتربين وخاصة اليمنيين لا يتعدى 2000 إلى 2500 ريال سعودي، وفي حال تم توزيع هذا المبلغ على احتياجاتنا اليومية وتسديد الرسوم المفروضة فإنه بلا شك سيدفع بكثير من المقيمين للمغادرة إلى أرض الوطن أو الهجرة إلى دولة أخرى تكون فيها مقومات الحياة الأساسية متوفرة". 
 
 
 
وأردف “ثمة ضرائب ورسوم أخرى إلى جانب الرسوم الأخيرة، تتمثل في رسوم تجديد الإقامة، ورسوم التأمين الطبي، ..إلخ، كل هذا يتم سحبة من مرتب المقيم وفي حال قمنا بحسابها فسينتهي المطاف بلا شك إلى الهروب من هذي البيئة المعادية".
 
 
*تسريح ممنهج
 
 
يتحدث الشاب خالد عبدالرحمن(23 عاماً) كيف تم إجبارهم على مغادرة السعودية، في أعقاب تسريح والده من عمله من شركة أرامكو، واضطرارهم للعودة إلى اليمن، وندم والده لعدم الهجرة إلى دولة أوروبية وتضييع حياته في السعودية.
 
 
يوضح خالد في حديثه لـ "المهرية نت" أن عمه "شقيق والده" هاجر إلى دولة أوروبية قبل أربع سنوات فقط، وحاليا حصل اثنان من أطفاله على جنسية البلد ويعيشون في ظل قانون عادل يعاملهم معاملة جيدة، بينما هو من مواليد السعودية، وترعرع وكبر هناك لعشرين سنة، وعندما تم تسريح والده عادوا جميعا مجبرين إلى اليمن".
 
 
أما عن مسألة العودة إلى اليمن مرة أخرى، فأشار خالد، أنه “لا توجد مشكلة بالعودة إلى اليمن، لكن الإشكالية تكمن في أن الدوافع والأسباب وما يسمى بعوامل الطرد التي كانت وراء هجرة ملايين اليمنيين لم تزل مستمرة حتى الآن ”، لافتاً إلى أن الخيارات أمام المغتربين اليمنيين ضيقة جداً ومحدودة، وتنحصر بين العودة إلى الوطن المثخن بالحرب والأزمات المختلفة، أو البحث عن دولة أخرى وبداية رحلة جديدة في مشوار الهجرة المستمرة عن الوطن الجريح، الذي لم يشف بعد".
 
 
وتفرض السلطات السعودية زيادة كبيرة في الرسوم والضرائب على المقيمين في أراضيها، كما تقيّد تحرّكاتهم، وتحظر عليهم ممارسة العديد من المهن بحُجة توطينها، الأمر الذي جرّد عشرات المغتربين اليمنيين من أعمالهم ومشاريعهم، وفاقم معاناتهم، وأرغمهم على العودة إلى بلادهم.
 
 
لماذا الهجرة؟
 
 
 فقدان الأمان في اليمن والشعور بضعف وتلاشي دور الدولة في ضمان أبسط الحقوق لأفراد الشعب، دفع الكثير من الشباب إلى الهجرة عبر طرق وأساليب مختلفة تمكّنهم من الأمان والاستقرار المعيشي وممارسة حريتهم وشغفهم في الحياة.
 
 
وتتعدّد الأسباب التي تدفع الشباب اليمني إلى الهجرة وترك وطنهم، إذ يتطرق أسامة سعيد (25 عاماً )، من محافظة حضرموت ويحمل شهادة البكالوريوس من جامعة صنعاء، في حديثه لـ"المهرية نت"، إلى الأسباب التي دفعته للهجرة، بالإشارة إلى الحرب والصراع في البلاد كسبب رئيسي، وتبعات ذلك في تدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص العمل.
 
 
يتابع بالقول: "تردّدت كثيراً حول الهجرة وإيقاف الدراسة، ولكن أصرَّ الأهل والأصدقاء على إكمال الدراسة، وهو ما دفعني إلى اقتراض قيمة الفيزا التي مكنتني من السفر إلى المملكة العربية السعودية".
 
 
ويضيف: "هناك صعوبات كثيرة واجهتها عندما قررت السفر، أهمّها: ارتفاع تكاليف شراء الفيزا، وتلاعب المكتب بالتأشيرات، فقد نصب عليّ، بـ(فيزا) قيمتها عشرة آلاف ريال سعودي، دفعت قيمتها لأسافر للسعودية، حيث تضمّ الفيزا توفير شغل وكفالة لمدة سنة كاملة، لكن حين وصلتُ المملكة لم أجد كفيلًا ولا شغلًا ولا حتى إقامة، إذ إنّ تأشيرة الدخول انتهت خلال ثلاثة أشهر، والأدهى أنّ المكتب رفض التجديد لنا، طالباً منّي البحث عن كفيل، وإلّا فإنّ مؤسسته لن تقبلنا، وعلي يتوجب التحويل لمؤسسة أخرى بمبلغ 12 ألف ريال سعودي".
 
 
ويعتقد الكثير أنّ الخروج من اليمن إلى بلد آخر هو بداية لحياة أفضل، ولكن الأمر قد لا يكون كذلك، فالمخاطر التي يتعرّض لها المهاجرون تشكّل كابوسا آخر يؤرقهم في بلد المهجر، إذ يذكّر عبدالحفيظ غالب (مواطن يمني هاجر قبل نحو ثلاثة أعوام إلى السعودية) بعدم الاستقرار الوظيفي، خاصةً أنّ معظم المهاجرين لا يعملون بعقد عمل رسمي، إضافة إلى تأخير مرتباتهم ومستحقاتهم، وصعوبة النقل من كفيل إلى آخر، بل هناك ما هو أصعب من كل هذا، وهو عدم الاستقرار النفسي لدى المغترب، فوحده يعاني من ألم الغربة، بعيداً عن أهله وأقاربه".
 


كلمات مفتاحية: المغتربين معاناة السعودية
تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية