آخر الأخبار
كفى المؤمنين شر القتال
هذا الإحباط والحزن والوجع والفقدان الذي نعيشه، والحروب العبثية التي تدار، مؤشر أننا لازلنا قابعين في الإشكالية، غير قادرين على تجاوزها، نوجد حلولا ناجعة، تضعنا في بداية طريق الخروج من مآسينا وأحزاننا، نخطو خطواتنا الأولى نحو مستقبل آمن ومستقر، فيه الناس سعداء متعايشين متوافقين في وطن يجمعهم.
مؤشر تجاوز الماضي والولوج للمستقبل له أدواته، التي بالضرورة لا تحمل عبء الماضي ولا ثاراته وأحقاده وانتقاماته، أدوات أقوى من الظروف وأشد من الصعاب , متسلحة بوعي يرتقي بها , لتكن أدوات بناء وتنمية وإعمار، أدوات سياسية وفكرية ترتقي بالوطن بعقلانية و وسطية , نحو الاستقرار والتوافق والتصالح والتسامح , تنزع فتيل الصراعات الايدلوجية ذات النزعات السلبية والعنف والعصبية والأصولية , الطائفي والمناطقي والجهوي , والحروب العبثية .
في كل منعطف تاريخي , تفرز الأحداث أدوات الحل وأدوات الإشكالية , والفرق بينهما دقيق جداً قد لا يدركه الكثير، وهو يمثل الحد الفاصل بين تحقيق الهدف الوطني وبين تعطيل ذلك الهدف , وإيجاد مبررات ذلك التعطيل , بين العيش في إطار الإشكالية لإنتاج مزيد من مشكلات التعطيل , وبين الانطلاق للحل وتحقيق الهدف المرجو.
منذ الاستقلال والتحرر، وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر العظيمتين، مرورا بالوحدة المباركة ,و ثورة الربيع اليمني ومخرجات الحوار الوطني , ونحن تائهون عن الأهداف , ننجرف نحو مزيد من المشكلات لتعطيل الأهداف النبيلة , وتفرز تلك الأحداث أدوات الحل في مواجهة أدوات إشكالية التعطيل , لنبدأ سلسلة من الأحداث في تبادل الأدوار , نهايتها خذلان الناس وضياع تطلعاتهم وآمالهم النبيلة .
نفتقد للدراسات العلمية في نقد وتقييم مراحل النضال السياسي، للبحث في الأسباب العلمية والمنطقية لهذا الخذلان , والعيب يكمن في النخب السياسية والفكرية , التي ترفض الاعتراف بـنكباتها , ولا تسمح للعلم في دراسة وبحث العيوب , لتصحيح المسار , فشلت فشل ذريع في ادارة مراحل النضال وتصحيح مسار ذلك النضال .
أكد افلاطون على أهمية أن تقود المجتمع فئة من النابهين تتسلح بوعي الهدف , هدف الحرية والاستقلال , يتطلب أن يتحرر الفرد والجماعة من العصبية والأصولية , وتقبل الآخر كما هو لا كما يراد له أن يكون , ينصب نضالها في الدفاع عن حرية الآخرين وحقهم في الحياة , بضوابط نظام وقانون متفق عليه , وعند الاتفاق يصبح ملزما , الخروج عنه جريمة لا تغتفر و خيانة للعهد والوطن .
لم يعد يقبل العصر حكم الفكر الواحد , ولا حق لنخب ذلك الفكر بالاستحواذ والاستئثار , اليوم لكي تنهض المجتمعات تحتاج لنخب ذات تنوع فكري وثقافي , يشرك الجميع بالحل دون توجس وشكوك , تشمل كل فئات المجتمع الدينية والسياسية بمختلف الأطياف والتوجهات, تفتح مجالات أوسع للشراكة , وتبديد المخاوف , لتطمئن النفوس وتتولد مشاعر فياضة بالمسئولية , كبداية لنزع فتيل الصراعات السلبية , ومبررات حق البقاء والدفاع عن النفس والفكر.
الخوض في قضايا محل خلاف بدون وعي , بجدل عقيم و عصبية مقيته , يزيد من حجم الانقسام , والوحدة والانفصال , هما حق يفترض أن لا يراد بها باطل , وأن تعطى للدراسات العلمية والنخب الثقافية مجال لتقييم ذلك الحق , لتتضح الصورة بشكل منطقي , وننهي المزايدة على بعض , والاستغلال العاطفي للحدث , كإشكالية تنتج حروبا عبثية , تستثمرها أطراف سياسية وإقليمية , استثمار قذر لتمزيق الأواصر , وزرع الفتن , وإنهاك وطن وأمة , واستباحة الارض والعرض , وما يحدث في بلدي مخزي ومعيب .
كل القوى السياسية والدينية، الفكرية والثقافية، لعبت دورا سلبيا وإيجابيا بنسب متفاوتة في خذلان الأهداف الوطنية، كثيرا من المتباكين عن الوحدة خذلوها، عندما أفرغوا محتواها السياسي وجردوها من القيمة الوطنية وأضاعوا الهدف , كل من قال نعم لتعديل دستور الوحدة , يندرج في إطار خيانة الوحدة , وكل من يلعن الوحدة اليوم , يساهم في تبرير غدر الوحدة وخيانة الهدف الوطني , الهدف النبيل المغدور به من قبل منظومة سياسية احتكرت ادارة الوحدة وألغت الآخرين .
كل الاتهامات التي توجه اليوم لأطراف سياسية في اجتياح الجنوب، غير مبنية على أسس عادلة وتقييم علمي، بل مبنية على مزايدات واستثمار عواطف، دون أخذ الاعتبار أن ما حدث نتيجة حروب عبثية، وتراكمات إلغاء وتهميش الآخر، لازالت قائمة لليوم، وفق نظرية لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار وعكسه في الاتجاه.
أفعال تولد ثأرات وتصفية حسابات , البادئ فيها كان أظلم , وتراكمات تركت تتعفن وتنتج هذه الثارات , وكلما سنحت الفرصة للمهزوم ينقض على الخصم , وَهَلُمَّ جَرّاً .
نحتاج أن تعالج الجروح، لا أن تدمى، ونخفف من التراكمات، لا تزيد من حجمها , ونفتح مساحة واسعة لتفاهمات وتوافق على وطن نعيش فيه بحب وتسامح وشراكة , كإخوة لا كأعداء , وكفى المؤمنين شر القتال .
المقال خاص بموقع المهرية نت