آخر الأخبار
السؤال الغبي.. من أين أنت؟!
صحيح أن آخر جندي بريطاني رحل من عدن في 30 نوفمبر، ولكنه ترك خلفه فتنة تمكنت من تقسيمنا لأعداء، وكلا أخذ دوره فيها، وأدخلتنا في حالة تيه، افقدتنا بوصلة السير نحو المستقبل، فتهنا في سياسة فرق تسد الاستعمارية، وامتهنا اختلاق العداوة في غفلة عن العدو الطاعن في الخاصرة، ذلك العدو الذي تمكن في سايكس بيكو من زراعة قواعد استخباراتية، أحاطت بعدن، لإدراكه بأهمية عدن كمنبر فكري وثقافي ونضالي في مشروع الأمة ، عدن الأرض التي رفضتهم، والإنسان العصي على الترويض لمشروعهم، والتنوع العرقي والثقافي الذي ارعبهم، والتعايش الذي يهدد سياستهم فرق تسد.
عدن التي قتلت مشروعهم ( الجنوب العربي) بقنبلة المطار في 10 سبتمبر ديسمبر 1963م، ومن حينها اشتعل الكفاح المسلح رفضا لأي مشروع استعماري، وطلبا للاستقلال الذاتي، هذه عدن التي استوعب المستعمر أهميتها في مشروع الأمة النهضوي، ولم يستوعبها بعض المرجفين، الذين وظفتهم الظروف بعدم الوعي عن قصد أو بدون قصد، تحولوا لأدوات تلك الفتنة، منتصر غبي، ومقهور أصابته الهزيمة، أشعلوا ثقافة الثأر والانتقام، ثقافة استنفرت كل ما فينا من غبن، فتشرذمنا عرقيا ومذهبيا وطائفيا ومناطقيا، لنتحول لبرميل بارود يتفجر في وجوهنا بين حين وآخر ، يقتل جمال التعايش والعيش بسلام ووئام، لنحيد عن بناء وطن وصون عرضنا وكرامتنا.
ومن حينها ظلت الفتنة تأكل جسد مشروع الأمة التحرري، وتفرغه من محتواه القيمي والأخلاقي، وتصنع لنا عروشا من ورق، يتربع عليها دمى منزوعة الضمير الوطني والإنساني، لتعزز ثقافة المعادة، وتتفجر حروب عبثية تفكك ما تبقى من مبادئ ولحمة، وتزيد من حجم التراكمات والهوة بين أبناء الأمة ، وتزرع فينا الضغينة والكره، لتنعش فينا ثقافة الزمن الرث وكل ما هو سيء، وبدأ السؤال الغبي ( من أين أنت )، وبدأ الأغبياء يقسموننا لمناطق وطوائف وسلالات، وبدأ التفاخر بالمولد والجاه والتنابز بالألقاب، وبدأت تنتعش الهويات الصغيرة في مواجهة هوية الأمة ، إنها الفتنة التي توغلت في جسد الأمة ، من مكامن الضعف، من حيث الجهل والتخلف والتعصب والمصالح الغبية، ونشاهدهم اليوم يلعنون الثورة والاستقلال والجمهورية والوحدة والديمقراطية، هما المصيب والمصاب وجهان لعملة واحدة، إنها عملة العداوة التي افقدتنا البوصلة وتهنا في صراعات عقيمة وما زلنا.
وها هو اليوم المخطط واضح المعالم، واستطاعت تلك القواعد الاستخباراتية توظيف ما يمكن توظيفه من هذا التيه وهذا التشرذم، وها نحن اليوم في الفصل الأخير من المخطط، وانكشفت معادن البشر، وانقشع الغطاء عن الزيف، وبرز كل القبح ليعلن عن حقيقة المواقف، حيث انهارت ثقافة البعض من أممي وقومي، لمناطقي عنصري، وتوجه نحو قبلة الرجعية، يطوف تلك القواعد الاستخباراتية يقدم الولاء والطاعة، بضمير منزوع من الوطنية، ليتحول مجرد رقم في العمالة، في سقوط قيمي وأخلاقي لا مثيل له.
لم تكن عدن مجرد أرض ومواليد، بل أكبر من ذلك مشروع ريادي وطني و نهضوي وتنويري، منبر ثقافي وفكري ونضالي، حضن استوعب الجميع، وفيها وجد الجميع متنفسا للرأي والفكر والمشروع، كانت بحجم المشروع القومي العربي، حينما ناصرت كل حركات التحرر الوطني للشعوب العربية والإسلامية وغيرها من الأمم التواقة للحرية والاستقلال، كانت الواجهة للتصدي للمشاريع الاستعمارية، بحجم فكر محمد علي لقمان وفكر عبدالله باذيب، فيها تشكلت نواة الحركة الوطنية، من رحم الحركة العمالية، والجمعيات والمنتديات الثقافية، عدن ليست قميص عثمان الذي يتخذ منه البعض ذريعة ليتهم ويكفر الآخرين ، بأسلوب غبي يقزم من حجم عدن، بقلة وعي وإدراك لم يستوعب هذا النفر دور عدن الريادي، ولم يدرك كما أدرك المستعمر أهميتها في مشروع الأمة التحرري، واستهدافها هو استهداف للأمة.
أقول لهؤلاء أن عدوكم هو المستعمر الداعم اليوم للصهيونية، في تحالفه اليوم في قتل أبناء غزة الابطال، الشعلة التي مازالت حية في عقل الأمة ، عدوكم فكر مقيت تغلغل فينا ليبني ثقافة الاستحقار لكل مختلف لا يؤمن بما نؤمن به ولا يتبنى قناعاتنا، ولا يخضع لولاءتنا، إنها ثقافة العداء التي تشعل الحروب فيما بيننا، بها تمكن المستعمر في تحقيق مآربه الشيطانية بسفك دمائنا وانتهاك أعراضنا، عن طريق تفجير الخلافات والصراعات، بدعم الأغبياء من المتعصبين والكارهين، على شكل واقعنا البائس اليوم، ومتى تستوعبون؟ !
*المقال خاص بالمهرية نت *