آخر الأخبار
حكايات سقطرية شهيرة.. علي أبو تعيل!
كثيرة هي الحكايات التي تردد في الأسمار والمجالس ومنها ما هو خاص بالكبار، ومنها ما هو صالح للكبار والصغار، ومن هذه الحكايات ما هو مفقود ومنها ما لم يسمع بها الجيل الحالي، ولا يعرف عنها شيئا، فلم يعد إقبال الناس على هذه الحكايات كبيرا لانشغالهم بوسائل الترفيه الحديثة.
لكن هناك حكايات خالدة لا تنمحي من الذاكرة السقطرية، ومن هذه الحكايات (علي بو تعيل وبو نواص وبر آثر وربيحني) فهي قصص شهيرة وخالدة توارثها الناس منذ القدم، وما زالوا يحكون بعضها للأطفال بغرض تنويمهم وإسكاتهم وشد انتباههم لشيء ما.
للأسف الشديد أن هذا الموروث القصصي أكثره لم يدون، والبعض مما دون يحتاج إلى إعادة نظر وتصحيح، وسوف نحاول في السطور القليلة الآتية تسليط الضوء على قصة شهيرة من هذه القصص، وهي قصة علي بو تعيل فهي قصة خرافية أسطورية تستنطق الطير والحشرات وهي إحدى أقدم القصص التي لا يعرف مبدعها ولا زمنه.
والملاحظ أن هذه القصة تتناص مع العديد من القصص فتجد فيها صدى لحكايات كليلة ودمنة وشيء من قصص أبي وهب الذي اشتهر في زمن هارون الرشيد وأبو نواس وغير ذلك.
ولا بد من الإشارة قبل البدء أن هذه القصة تداولها الناس في عموم سقطرى بلغتهم الشعبية، لذلك سنورد تفاصيل القصة باللغة العربية لكون النص باللغة السقطرية لا يستطيع قرأته وفهمه إلا المختصين العارفين بلغة سقطرى وأسلوبها في النطق والكتابة:
علي بو تعيل زرع مزرعة تسمى زرعه -على ما يبدو البامية أو الفاصوليا ونحوهما- فجاءت سحلية تسمى جمش وأكلتها فبكى علي بو تعيل وقال لقد أكلت زرعتي والزرعة من كسبي وجهدي فرقت له السحلية وأعطته دلوا ليستقي به الماء فأخذ الدلو وذهب فمر على بنات عند بئر ماء يستقين فطلبن منه الدلو فقال سوف ينقطع فوعدنه بالمحافظة عليه وبينما هن يسقين به انقطع الدلو فبكى وقال قطعتم الدلو والدلو من عند الجمش السحلية والسحلية أكلت زرعتي والزرعة من كسبي وجهدي فرقت البنات له وأعطينه فوطة فأخذ الفوطة وذهب.
وفي طريقة مر على شباب يصطادون فطلبوا منه الفوطة يصطادون بها فقال سوف تتمزق فقالوا نحافظ عليها فأعطاهم، وبينما هم يصطادون تمزقت الفوطة فبكى وعاتبهم أنهم مزقوا فوطته والفوطة من عند البنات، والبنات قطعن الدلو والدلو من عند الجمش والجمش أكل الزرعة والزرعة من كسبي وجهدي فرقوا له وأعطوه سمكة فأخذها وذهب.
وفي الطريق احتاج إلى التبول فترك الصيد على حجرة وقعد يتبول فجاءت السوعيده (الطائر السقطري الشهير) وأكلت السمكة فبكى علي بو تعيل وعاتبها وسرد لها تفاصيل قصته فقال أكلتي السمكة والسمكة من عند الشباب والشباب مزقوا الفوطة والفوطة من عند البنات والبنات قطعن الدلو والدلو من عند الجمش والجمش أكل الزرعة والزرعة من جهدي وكسبي فرقت له وأعطته خيطا فأخذه وذهب.
وفي طريقه مر بامرأة عندها صبي يبكي قال ما به قالت يريد الخيط فقال يقطعه إذا أعطيته فقالت أضمن ما يقطعه فأعطى الولد الخيط فسكت وجعل يلعب به حتى قطعه فبكى علي بو تعيل وقال قطعت الخيط والخيط من عند السوعيدوه والسوعيده أكلت السمكة والسمكة من عند الشباب والشباب مزقوا الفوطة والفوطة من عند البنات والبنات قطعوا الدلو والدلو من عند الجمش والجمش أكل الزرعة والزرعة من كسبي وجهدي فرقت له وأعطته باكورة فأخذها وذهب.
وفي طريقه وجد رجال يروضون جملا نافرا فطلبوا منه الباكورة يضربون بها الجمل فقال سوف تنكسر فقالوا إذا انكسرت نعطيك بدلها جملا فأعطاهم ولما ضربوا بها الجمل انكسرت فأعطوه الجمل فذهب به وحمله روث الأبقار والجمال والقوارير والقواطي والأشياء التي لا قيمة لها وحرص على اختيار الأشياء التي تصدر صوتا يشبه صوت الدراهم، وفي الطريق لقي السلطان يسوق جملا له فسأله السلطان ماذا تحمل على جملك؟ فقال: علي بو تعيل أحمل الذهب والدراهم فصدقه وقال: وأنت ماذا تحمل على جملك سيدي السلطان؟ فقال: أحمل الطعام والتمر فطاوعه السلطان على أن يبادله الجمل بالجمل مع الحمولة فوافق علي بو تعيل وذهب كل منهما في طريقة وعندما وصل السلطان إلى بيته وأنزل الحمولة اكتشف خدعه علي بو تعيل فأمر به فأحضروه ووضعوا على ظهره صخرة كبيرة لا يستطيع أن يقوم عنها ووضعوه على الطريق ليكون عبرة للناس فجاء رجل عجوز يبيع العطور فقال: ما بك قال في ظهري حدبه فوضعوا علي هذه الصخرة حتى أشفى فقال: الرجل العجوز وأنا عندي حدبة قال: ارفع الحجرة عني وادخل تحتها قام الرجل برفع الصخرة وخرج علي أبو تعيل ووضع الرجل العجوز مكانه تحت الصخرة فمات وأخذ البضاعة وذهب يبيعها في السوق.
أخبر السلطان بخروج علي بو تعيل فأمر بإحضاره وإلقائه فوق ثعبان جائع ليأكله وقد كان علي بو تعيل يتعهد الثعبان من قبل بالطعام والشراب فلما ألقوا به فوقها أدارت له ظهرها حتى لا يتوجع فانكسر ضلعها وقالت الضلع فدى لمن كان يطعم البطن وخرج من عندها صحيحا معافى وشك الناس أن علي بو تعيل ساحر.
ولكن السلطان لم ييأس وأمر خدمه بحبس علي بو تعيل في مخزن وأمر بجمع الحطب وإيقاد نار عظيمة ليحرقه فكر علي بو تعيل بحيلة تنقده فجعل يأكل الفحم ويحركها على لسانه بقوة حتى يسمع من حوله وكانت بجانب المحزن إحدى بنات السلطان تخض اللبن فقالت له: ماذا تأكل يا علي بو تعيل؟ فقال أكل المقلاة يقصد حبوب الشعير عندما تقلى بالزيت فقالت: أعطيني منها قال: افتحي الباب ففتحت له فجرها إلى الداخل وربطها مكانه وجعل عليها ملابسه ولبس ملابسها وجلس يخض اللبن فجاء السلطان وخدمه ورفعوا البنت إلى النار وحاولت البنت الاستغاثة بوالدها وجعلت تصيح وتقول: أنا بنتك يا أبي أكثر من مرة فقال السلطان: خذوه إلى النار ولا تصدقوه فهذه من خطط علي بو تعيل ليهرب وألقيت البنت في النار وبعدما تأكد علي بو تعيل أنها احترقت قام يرقص حول النار ويرتجز ويقول: "سيدي السلطان أحرق بنته" ولما اكتشف السلطان أنه فعلا أحرق بنته غضب على نفسه وحزن على بنته أشد الحزن ولكنه وصل إلى قناعة أنه لا يستطيع الانتقام من علي بو تعيل وتعذيبه فأمر بعدم التعرض له وعدم أذيته وليذهب حرا يفعل ما يشاء.
بعد مدة من الزمن أصاب السلطان صنفور في حلقه من الداخل فلم يستطع النوم ولا الأكل من شدة الألم وجاء علي بو تعيل ذات ليلة وسمر معه وبين فترة وأخرى يسكت علي بو تعيل وكأنه نام فيناديه السلطان نمت يا علي فيقول: لا ولكن أفكر أفكاري وهكذا ثلاث مرات يسكت ويناديه السلطان نمت فيقول لا ولكن أفكر أفكاري وفي المرة الرابعة عندما سأله السلطان نمت يا علي قال: لا ولكن الرجل الذي ما يخلي الرجل ينام فرخ بلا أصل فغضب السلطان وصاح به بقوة فانفجر الصنفور وخرج الدم والقيح فشفي السلطان ونام من ساعته.
وإلى هنا انتهت الحكاية التي تحكى للصغار خاصة والحق أن كثيرا من القصاص يقف عند قصة السوعيدة التي أكلت السمكة أو يتجاوزها قليل إلى موقف الجمل والباكورة وضاع عند أغلبهم الجزء المتبقي من الحكاية وفي الأصل أن القصة أطول مما حكينا وهذا الوقوف مقصود لأن المواقف التي تلي ذلك خاصة بالكبار لذلك حجب عن الصغار وتطور الحجب فيما بعد حتى لم يعد الكبار يعرفون شيئا عن المواقف التالية للحكاية.
ومن تلك المواقف أن علي بو تعيل اشتهر بالطب فكان يداوي العلل وكان مستشار يحل المشكلات وحصلت له مواقف عدة مع الناس والسلطان في هذا المقام كما عمل مروض للنافرين من الزواج من الجنسين.
ومن ذلك أيضا أن علي بو تعيل كان يغيب عن منطقته وقومه فترة من الزمن وعندما يعود يغير من شكله قليلا ويدعي أنه زار الآخرة ووجد جدة أحدهم ومر بوالد الآخر ووجد أم فلان وأخ ذلك وزوج تلك وقد حمل لهم مجموعة من الوصايا التي يجب تنفيذها وعندما يريد الاختفاء ثانية يخبرهم أنه يذهب إلى الآخرة فيحمله الناس الهدايا والأموال والرسائل إلى أهلهم وذويهم.
*المقال خاص بالمهرية نت *