آخر الأخبار

حوار مع شباب سقطرى حول الفراغ المقلق

الخميس, 11 مايو, 2023

الفراغ يفتك بعقول الشباب في سقطرى، فهو أحد المهددات التي تحز في قلوبهم وتؤثر على تفكيرهم.

  الفراغ يستولي على جل أوقاتهم وقد يقول البعض إن بيئة سقطرى بيئة عمل لا مجال فيها للهو وهذا القول إيجابي من ناحية وسلبي من أخرى، حيث إن جل الناس يعملون وقد يكون الدافع إلى ذلك بالإضافة إلى غلاء المعيشة عدم وجود أماكن للترفيه والتنزه  فيضطر الشاب إلى الإنغشال بأي عمل.

  من لم يستطع الحصول على عمل فإنه بلا شك يعاني من الوحدة والقلق والانعزال والانغلاق على نفسه، وتكمن فرصته الوحيدة في إزالة هذه العوائق النفسية في الذهاب إلى السوق لا ليشتري شيئا وإنما لكون السوق المكان الوحيد العامر بالحركة، ويكاد يكون تصرفه في السوق تصرفا روتينيا فيسلم على فلان ويقف مع آخر بعض من الوقت، ويتكلم مع هذا وذاك.

ولا تخلو رحلته إلى السوق من بعض المشاهد المثيرة فيتعجب من حال صديقه الذي درس معه ولم يكمل لكنه امتلك سيارة فارهة ويستغرب من حال الجندي البسيط الذي عرفه بالأمس ضعيفا مسكينا وأصبح اليوم قائدا وبطلا هماما.

ويكون أكثر تعجبا حينما يرى زميله المتفوق سيطر عليه الجنون أو فتك به المرض النفسي، وحينها يتبادر إلى ذهنه أن من دوافع الجنون ربما رؤية تلك المشاهد وتخلي الناس عنه فضلا عن معاناته المتكررة وعدم حصوله على العمل والتقدير لذلك جرب حياة الجنون فلم يستطع الخروج منها.
 
في طريقي إلى السوق ذات مساء رافقت أحد الشباب فسألني كيف السبيل إلى القضاء على هذا الفراغ؟ فنحن لم نجد عملا يشغلنا ولم نجد حكومة تشجعنا ومن وجد منا العمل رضي به مجبرا كونه في غير مجال مهاراته واهتمامه، فالذكي منا ذهب عقله في العمل في بقالة أو في نوبة حراسة وربما باع جالونات البنزين على الطرقات أو عمل في تنظيف الأسماك وتعليبها ومنهم المتفوقين من لو سألته عن شيء من علومه التي كسبها في دراسته من تجده نسي جلها.. وفي سياق حديثه روى لي سلسلة من النماذج والوقائع المقلقة .

أكثر هذا الشاب من أسئلته بحرارة وحرقة وبأسلوب تعجبي، بالله عليك ألا يستطيع من تحصل على المركز الأول في البكالوريوس أن يعمل مدرسا في مدرسة ابتدائية!؟ ألا يستطيع الشاب السقطري الذي يمتلك شهادة تعليم عال في الكهرباء والصحة والأسماك وغيرها العمل في مجال تخصصه في بلده!؟

هاجمني بأسئلة كثيرة وكأني أنا المسؤول عما جرى له ورفاقه من جراء هذه التعسفات في التشغيل، وعلى النقيض من ذلك صار بعض الشباب لا يقنع بعمله فيتنقل من عمل إلى آخر لأنه رأى من هو أقل منه درجة ومعرفة يتقاضى أضعاف أجره أحدهم مدرس في الكلية قال لي ذات يوم تركت عملي في التدريس وذهبت أتاجر أحيانا أشتري وأبيع العملات الأجنبية وأحيانا أبيع البنزين... فقلت ولماذا تركت وظيفتك؟ فقال بلغة السوق ما فيها خراج حاولت إقناعه بأمانة العمل وأهمية الوظيفة وأن هذا يؤدي إلى تجهيل المجتمع لكني لم أفلح.
  
في طريقي أنا والشاب المرافق لي وجدنا مجموعة من الشباب فاتجهنا جميعا إلى مقهى يبيع الشاي وأثناء شربنا للشاي حدثهم الشاب عن الحديث الذي دار بيننا فذكروا لنا نماذج ومشكلات كثيرة، ولكني فضلت أن يكون الحوار عن الفراغ، فقلت دعونا من مشكلات العمل الكثيرة والتي ليست بأيدينا حلولها ولنعد إلى مسألة معالجة الفراغ الذي يسيطر على شريحة كبيرة من المجتمع، ومن ضمنها الشباب فما رأيكم لو تجمعوا لي بعضا من زملائكم ننظم لهم جلسات ونستضيف في كل يوم أستاذ جامعي في تخصصات متنوعة حتى نستطيع تكوين منتدى ثقافي واقعي فقالوا نعم الرأي.
 
طلب أحدهم أن نبدأ بصالون أدبي نناقش فيه قضايا أدبية ونستعرض بعضا من قصص العرب وأشعارهم، فقلت على بركة الله، وكلفته بتنظيم اللقاء وبعد مدة جاءني خالي الوفاض وحكي لي  جملة من المعوقات منها عدم وجود قاعة وعدم توفر الإنترنت وعدم وجود أدوات العرض !

وفعلا هذه حقيقة مؤلمة ففي مدن سقطرى عامة ليس فيها قاعة مهرجانات مجانية أو تجارية، وليس فيها مكتبات ولا مقاهي إلكترونية، زيادة على ذلك لا تقيم الجامعات ولا الكليات ولا المعاهد ولا المدارس ولا مكاتب الصحة والثقافة والسياحة والبيئة أي مهرجانات علمية أو ثقافية أو أدبية أو صحية، على الرغم من وجود دعومات مالية كبيرة وفي برنامج السلطة المحلية، لكنها مجرد حبر على ورق أو أنها مخصصة لفئة قليلة من الشباب دائما دون غيرهم ولم تستطع هذه الهيئات والحكومات المتعاقبة جميعها عمل حديقة أو منتزه أو صالة رياضية واسعة في العواصم فضلا عن تكوين منتدى ثقافي، لهذا ما يشعر الناس بالقلق والضجر ففي سقطرى لا تدري أين تذهب؟

حين تريد الترفيه قليلا والهروب من ضغط العمل ومشكلات الحياة وعلى الرغم من وجود مناطق سياحية وسواحل جميلة قريبة من المدن الرئيسة في سقطرى إلا أنه لا توجد مواصلات تقلك منها وإليها ولو افترضتنا أنك وصلت إليها بأي طريقة فإنك تشعر فيها بالغربة، فقد لا ترى فيها أحدا، نعم قد يدهشك جمال المنظر في أول الأمر لكن سرعان ما تكتشف أنك مستوحش  ينبغي عليك الإسراع في العودة.

يفضل الشباب الجلوس في مقاهي الشاي، ولكن هي الأخرى أصبحت مملة بفعل كثرة النقاشات السياسية ممن هب ودب، وكثرة الضوضاء والضجيج وضيق هذه الأماكن وقلة نظافتها، ومن الشباب من يلجأ إلى لعب البلوت والورق مع كبار السن والعجزة في الحارات والمقاهي والشوارع العامة!
 

*المقال خاص بالمهرية نت* 

يا كوت يا رنبص!
السبت, 24 فبراير, 2024