آخر الأخبار

عاشقان كبيران لصنعاء يترجلان !!

السبت, 10 ديسمبر, 2022

اليمن تفقد خيرة أبنائها.. يموتون  إما كمداً في الداخل أو مشتتين في المهجر.


(1)
كان لرحيل أستاذ الأجيال  الشاعر والمفكر عبد العزيز المقالح أواخر شهر نوفمبر في مدينة صنعاء، وقع الفاجعة الكبير على كل اليمنيين لما يمثله من رمزية  تنويرية ساطعة في تاريخ اليمن المعاصر. وشاهد حقيقي على منعطفاته وتحولاته الكثيرة، ابتداء من فبراير 1948م، حين حاول قطاع كبير من تيار النهضة الناشئ احداث تغيير في تركيبة السلطة على قاعدة دستورية ،وادى فشل هذه المحاولة لأسباب متعددة ، إلى الزج بمئات من المثقفين وطلائع النهضة والسياسيين إلى سجون حجة وصنعاء وتعز المظلمة، قبل أن(تجِزُّ)سيوف الطاغية المئات من رؤوس  الثائرين منهم.. كان من مسجوني حجة والد الراحل صالح المقالح، فحتم على الطفل مرافقة والده في حجة، وهناك تعرف على الأستاذ النعمان وتتلمذ علي يديه في المدرسة المتوسطة التي انشأها. وحينما عاد إلى صنعاء منتصف الخمسينات، للدراسة في دار المعلمين، بدأت علاقته الحميمية بالمدينة تكبر لتتحول إلى عشق لا يضاهى، لهذا حينما كتب قصيدته الثورية (عاش الشعب) والقاها في التاسع والعشرين من سبتمبر 1962 - بعد ثلاث أيام من قيام الثورة- عبر اثير إذاعة صنعاء بدأها بـقوله:
( وثأرتِ يا(صنعا) ، رفعت رؤوسنا بعد انكسار)
وحين أصدر أول دواوينه الشعرية في 1971، والذي صار إحدى العلامات الفارقة في الشعرية اليمنية الحديثة، سماه ( لابد من صنعاء)، على اسم أول قصائد المجموعة التي قال فيها:
(يوماً تغنى في منافينا القدر  لابد من صنعاء وإن طال السفر / لابد منها.. حُبنا ،أشواقها تذوي حوالينا.. إلى أين المفر؟) والتي كتبها وهو طالب في القاهرة، حين استبد به الشوق لمحبوبته.



بعد ثلاثين عاماً سيكتب لها كتاباً خاصاً سماه ( كتاب صنعاء)، وأهداه إليها.. كما رسمتها مخيلة الطفولة والكهولة .. المدينة التي كانت امرأة ، هبطت في ثياب الندى، ثم صارت مدينة.
صنعاء عند المقالح:
هي عاصمة الروح
أبوابها  سبعة
- الفراديس
أبوابها سبعة –
كل باب يحقق أمنية للغريب.
توفي المقالح في المدينة التي أحبها ولم يغادرها طيلة خمس وأربعين سنة ، إلا إلى محيطها من  القرى والأرياف ، ومرة واحدة إلى عدن ليلة إعلان الوحدة في مايو 1990،  ولم يبت خارج صنعاء إلا أياماً متفرقة.. مات كمداً وهو يبصر حلم الجمهورية يتبدد أمام عينية وهو أحد المبشرين الكبار به، وأن أنياب الإمامة وأضراسها التي ظن أنها خُلعت عادت لطحن البلاد من جديد.


(2)
ظهر الأربعاء 7 ديسمبر 2022 تفاجأ الكثيرون برحيل الفنان التشكيلي والمعماري المرموق ياسين غالب في القاهرة، وهو الذي غادر إليها قبل عامين تقريباً بعد أن ضاقت به اليمن، فترك مدينة صنعاء والقديمة منها تحديدا، والتي ارتبط بها وجدانياً بعد أن عمل في مشروع الحفاظ عليها منذ أكثر من ثلث قرن، فكان بالنسبة لنا نحن عشاق المدينة مرجعاً مهماً  عند السؤال عن التفاصيل الصغيرة في أحيائها ومنشآتها التاريخية، وكان بعد كل منشور لي عن صنعاء مشفوعاً بصورة ما  يفاجئني بمعلومات جديدة ودقيقة لم تكن في بالي ، وأنا الذي كنت أظن بمعرفتي التفصيلية عن المواضع إما بالقراءة أو بالسؤال، في تجوالاتي الكثيرة في أزقتها منذ سنوات.


قبل فترة قصيرة قرأت الكتاب المهم  للدكتور  صالح احمد الفقيه المسمى ( العمارة العثمانية في مدينة صنعاء)،  فعشت مع صفحاته رحلة سياحية في منتهى المتعة داخل المنشآت المدنية التي شيدها العثمانيون في مدينة صنعاء عاصمة ولاية اليمن، والتي يقول أنها لم تدرس من قبل كغيرها من المنشآت الدينية والعسكرية التي حظيت بدراسات اثرية علمية وأكاديمية. وإن الذي استدعى القيام بهذه الدراسة  لتوثيق ما تبقى من معالمها هو تعرض معالم المدينة العثمانية للهدم والتجديد.



الكتاب أعاد انتاج صورة المدينة في الكلية  ليس فقط بالمنشآت  التي  شيدت في أحياء المدينة القديمة وإنما ، ما شُيَّد خارج اسوارها وتحديداً في حي بئر العزب  ومحيطه  ميدان شرارة .
بعد القراءة تشكلت لدي مجموعة من الأسئلة المهمة، ليس عن منهجية الكتاب ولا مادته الرائعة، وانما ما يتصل  بتلك الأحاسيس عن المواضع تتملكنا  في الترحال المستمر داخلها إما بالقراءة أو المشاهدة، وقلت سأنتظر لأكتبها مجتمعة وأعيد ارسالها لصديقي ياسين غالب، الذي لم ينقطع تواصلنا تقريباً، خصوصاً تلك المتصلة بالأشياء الطريفة والفكهة، غير أن الأقدار قطعت مثل هذه الرغبة واختطف الموت روحاً سامية في ظرف قاهر كالذي تعيشه اليمن.


كانت حينما تجمعنا صباحات منتدي التبادل المعرفي ( البيسمنت) من وقت لآخر، أو أي من المقاهي في التحرير أو شارع حدة، تأخذنا الأحاديث بعيداً إلى الفن والعمارة وتاريخ صنعاء.. كان يمتلك نظرة ثاقبة ومزاج مرح لم أره متعكراً على الاطلاق ، وقدرته على قراءة الناس والأحداث كانت نافذة، حتى وهو يضفي عليها حشوشاً مبجلاً.


عرفته في وقت مبكر وتحديداً في العام 1996م حينما كنا ننشط ضمن الحلقة الثقافية الدولية التي ضمت وقتها فنانين ومثقفين وأكاديميين يمنيين وعرب وأجانب، وشكلت حينها بالنسبة لنا أفقاً مهما للتواصل المتنوع مع أسماء رفيعة لها انشغالاتها المتنوعة في الفنون والأدب والثقافة ، غير أن معرضاً شخصياً أقامه في المركز الثقافي الفرنسي مطلع الألفية، كان هو الذي فتح مداركي على تجربة فنان مختلف زاوج بين مهنيته كمهندس وانصرافاته كمبدع كبير وشغوف بالتفاصيل، وشكلت تجربته التشكيلية اضافة حقيقية لتنوع الجيل الثاني من الفنانين التشكيلين اليمنيين الذين استفادوا من دراساتهم في الخارج، بعد أن تشربوا أيضاً من تجارب الرواد الأوائل أمثال هاشم علي وفؤاد الفتيح وعبد الجبار نعمان التي استوحت من تفاصيل حياة اليمنيين وأساطيرهم موضوعاتها الحيَّة .

  *المقال خاص بالمهرية نت*
   

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023