آخر الأخبار
العودة إلى سقطرى باتت حلماً فهل من أمل؟!
مجاميع من الطلاب والأهالي ينتظرون في حضرموت، وآخرون في عدن والمهرة تتطلع آمالهم إلى العودة إلى ربوع بلادهم، وتمضية أوقاتهم في دفء العائلة وحنان الأهل من هؤلاء طالب أراد الاستراحة من ضغط التحصيل العلمي وقلق الغربة فحلم بالعودة مكافأة لإكمال دراسته، ومنهم امرأة تشوقت إلى الرجوع إلى دارها بعد رحلة علاجية مثقلة بالآلام والهموم والديون فصارت تتمنى اليوم الذي يجمعها القدر بأهلها وعيالها، ومنهم عجوز يقاوم الموت أملاً بشرف الدفن في باطن تراب قريته التي ولد فيها وترعرع عليها وتزوج وخلف على ظاهرها، وهذه الآمال قد تبدو غريبة ولكنها حقيقية.
قابلت أحدهم فوجدته يتنفس الصعداء، يتمنى اليوم الذي يرى فيه قريته الواقعة في أطراف سقطرى، ويبدو عليه أنه أحس بقرب الأجل واستشعر نداء الموت بعد أن أكد له الأطباء أنه يعاني من أمراض عدة مزمنة تضعف قواه يوما بعد آخر! قال لي بحرارة حابساً دموعه بصعوبة يا بني أنتم لا تعرفون شوقنا نحن القدماء إلى الدفن في تراب المكان الذي عشت، فيه يا بني في البلاد الغريبة حتى التراب تكون غريبة وقاسية أنا لا أريد أن يختلط رفاتي بمخلفات الناس وقاذوراتهم أو أن يكون على قبري طريقا أو مركزا تجاريا وغيره، أنا صدقته بالفعل وقد سمعت عن الكثير من هؤلاء عندما ينقلون إلى مشفى العاصمة حديبوه، والتي تعد ضمن بلادهم أن من أبرز وصاياهم قبل الموت أن ينقل جثمانهم إلى مواطنهم ليدفنوا في تراب أرضهم التي عاشوا عليها كونهم يرون أنها أبر عليهم من غيرها.
هذه الآمال قد تتحقق وقد تخيب وقد يصلون وقد لا يصلون فالكثير منهم مات في البلد الذي ذهب للعلاج فيه ولكنها واقعية فكثير من هؤلاء الذين يعانون من أمراض معقدة يتمنون مثل هذه الأماني ولا عجب في ذلك فقد انغرس حب الوطن فلا يتحملون فراقه في حياتهم وموتهم.
وأقل ما تفعله الدولة لرعاياها أن توفر لهم وسيلة نقل تقلهم إلى أرضهم وهم لا يطلبون من الدولة أن يكون النقل مجانيا أو بأسعار معقولة فهم يعلمون أن ذلك لن يحصل من الدولة بل يريدون أن تتوفر وسيلة النقل بأي ثمن ولكن الدولة لن تفعل ذلك حتى بأموالهم فعلى الرغم من غلاء أسعار التذاكر المفرط والذي لا يتواكب أبدا مع دخل السقطريين ولا يتكافأ مع رواتبهم حيث يتراوح سعر المقعد الواحد ذهابا من 150$ إلى 200$ دولار ومثله للعودة فلن تستطيع أن تجد مقعدا في الوقت الذي تريد السفر فيه إلا بعد ما يقارب شهرا على أقل تقدير.
وليس الأمر مقصورا على طيران اليمنية فحسب فهناك أيضا وسيلة نقل بحرية أو ما يسمى باليخت السلطاني والتي اشتراها السلطان عبدالله بن عفرار من الأموال التي قدمتها سلطنة عمان لإغاثة سقطرى وقد كان السقطريون يعتبرونها الأمل لخلاصهم من طيران اليمنية وغلائها وسوء معاملاتها ولكنهم تفاجأوا بأن اليخت هي الأخرى تجارية بامتياز تركز على البضائع أكثر من تركيزها على المواطن وأسعار تذاكرها غالية وخدماتها سيئة جدا وتقضي وقتا طويلا في السفر والعودة.
حين ركبت فيها ذات مرة في العام الماضي لم نجد مكانا لنصلي فيه ولا لننام من كثرة البضائع التي عليها حتى الكراسي المخصصة للجلوس احتلتها الكراتين والأدوات التجارية وكل من قابلته كان يشتكي من سوء هذه التصرفات وتحول الهدف الإنساني من شراء السفينة إلى هدف تجاري محض، ومن كثر شكاوى الناس الذين ركبوا فيها توقعت أنهم أول ما يستقرون في البر يقومون بمظاهرة ضد هذه المعاملة السيئة ولكن يبدو أن فرحة الوصول أنستهم المتاعب.
ومع هذه السيئات الكثيرة يتطلع الناس إلى الإعلان عن بدء رحلاتها لهذا العام فقد كانوا يتوقعون أنها تعمل في بداية سبتمبر أو في نهايته كحد أقصى ولكنها إلى الآن لا يعلم أحدا موعد انطلاقها.
وكلما قابلت سقطريا في حضرموت يسألني عن اليخت وعن موعد حركتها، وحين أجبت أحد الشباب بأني لا أعلم قال أكيد لا تريد السفر شكلها حضرموت أعجبتك وأحدهم حرف أغنية كاظم الساهر فقال قل لي ولو كذبا أن اليخت قادم فمازحته هي بلا شك في البحر فجلس يفكر في البحر في البحر فتذكر المقولة التي يتداولها الناس قديما بشأن أخبار السفن التي تجلب المشتقات النفطية والغاز وكلما قابلوا مسؤولاً يتحدث أنه اتصل بالمختصين وأن السفينة على البحر، أحد النابهين ذات مرة قال للناس المتفائلين بأخبار المسؤولين وأين يمكن أن تكون مكان السفينة في غير البحر مثلا؟ فكأن الناس انتبهوا لذلك فصارت هذه المقولة معيبة في حق المسؤولين. ومثل هذا يمكن أن يقال عن اليخت.