آخر الأخبار
لا هدنة الحوثيين .. لا حرب التحالف !!
منذ الثاني من أكتوبر تعيش اليمن المتهتكة في المنطقة الرمادية تماماً .. فمنذ قرابة ثمانية أعوام لم تعش البلاد في اللا هدنة واللا حرب كما هو الحاصل اليوم.. اختار الفرقاء هذه المساحة (الاستراحية) لاختبارات عدة ، سيبنون عليها تقييماتهم للمكاسب التي سيجنونها من هذه الحالة شديدة الالتباس. في هذه الفترة نشطت الزيارات بين صنعاء والرياض لإنجاز تسويات خاصة بين الحوثيين والسعودية بعيداً عن الشرعية (المجلس الرئاسي الذي انتجته السعودية بعد فترة هادي)، الغطاء المعلن عنه من هذه الزيارات هو موضوع الأسرى بين الطرفين والأصل فيها البناءعلى تنسيقات وتفاهمات كبيرة تأسست على لقاءات ظهران الجنوب قبل خمسة أعوام (ابريل 2017)، وصولا إلى لقاءات المنطقة الخضراء في 2021 بين السعوديين والإيرانيين برعاية عراقية، كان الملف اليمني فيها الحاضر الأبرز.
في تعليقه على هذا المشهد قال الصحفي سامي غالب رئيس تحرير النداء – في صفحته على الفيس بوك:
"هزلي مشهد معسكر الشرعية وبخاصة ما يتصل برئيس مجلس الرئاسة والمتحدثين باسمه والمتحلقين حولة! تدير السعودية علاقاتها بالحوثيين بهدوء ويتم تبادل الزيارات وتحرير الأسرى على جانبي الحدود فيما المتحدثون باسم فخامة الرئيس وزواره يتحدثون عن قرب تحرير اليمن من قبضة الميليشيات!
كان الأمر محتملا في خريف 2015، ومقبولا في 2016، لكن أن يطلع على اليمنيين أحد هؤلاء بعد زيارة "الرئيس" في مقره (خارج اليمن) ليبشر اليمنيين بدنو أجل الحوثيين فذلك عدوان على الذوق العام وقول فاحش يستحق ان تتشكل "شرطة آداب" للقبض على مقترفيه."
هذه المنطقة الرمادية المائعة يراكم عليها الطرفان مكاسبهما على حساب المجتمع ، لا هدنة الحوثيين تبقيهم متنصلين من كل التزاماتهم الأخلاقية تجاه المجتمع من دفع المرتبات وفتح الطرقات ورفع الحصار عن المدن والافراج عن المختطفين وإرخاء القبضة الأمنية تمهيداً لانخراطهم في العملية السياسية .. فحالة اللاهدنة هي استعداد قتالي دائم في التحشيد والتهيئة وتوجيه الموارد وتوظيفها وقبل ذلك جبايتها، وهي الحالة الصريحة التي يراهن عليها الحوثيين في تشبثهم بالسلطة بحكم ما تحت يدهم .. سلطة تتنفس بخطاب التحشيد، ولا تريد الاقتراب من خطاب السلام أو اي تفاهمات تقود إليه، لأنها صممت كحركة لهذا الغرض ،وهُندس لحضورها في حياة اليمنيين باعتبارها مخلب وذراع أمني لطرف إقليمي (إيران) منخرط في حرب اليمن كوسيلة من وسائل التنفيس عن احتقاناته الداخلية الكبيرة وأزماته السياسية والاقتصادية بتصديرها إلى جواره العراقي ومناطق الهلال الشيعي في سوريا ولبنان ، وتلعب سلطة طهران على كل المتناقضات التي من شانها المساعدة في بقاء نظام الولي الفقيه حاكماً مطلقاً في قلب العواصف .
ففي الوقت الذي تبارك فيه التفاهمات اللبنانية الإسرائيلية الممهدة لعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية لاقتسام حقول الغاز بين البلدين في المياه الاقليمية على البحر الأبيض المتوسط ، وتوعز لمخلبها الصلب ( حزب الله) بمباركة مثل هذه الاتفاقات التي تمت برعاية أمريكية ، ليخرج الامين العام للحزب حسن نصر الله بتصريحاته المثيرة للجدل بقوله" إنه لا مشكلة لديه في الاتفاق مع إسرائيل طالما يحقق مطالب لبنان، مضيفا أن ما يهمه هو استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية. " اقول في الوقت الذي توعز لحليفها اللبناني بالإقدام على هذه الخطوة، هي تضغط في ذات الوقت على مخلبها اليمني لعدم قبول الهدنة ، ورفع المعاناة عن اليمنيين.
وبمقابل لا هدنة الحوثيين ، هناك (لا حرب التحالف) الذي يعفي السعودية والامارات ومن ورائهما الغرب وأمريكا، من الغرق أكثر في المستنقع اليمني.. خلال ثمان سنوات أغرقت دولتا التحالف اليمنيين بحرب عبثية لا حدود لها.. لم تقضيا على الانقلاب الحوثي ،ولم تقطعا أذرع ايران في المنطقة .. بل عملتا على تفكيك الدولة، وتسليمها إلى ميليشيات طائفية وجهوية وقروية تعمل تحت لافتات سائلة، تلعب على مشاعر العامة وعواطفهم بوعود دنيوية واخروية . أنجزت الدولتان الغنيتان مهمتهما القذرة في تفكيك اليمن، وتكريس جماعة الحوثيين كسلطة قوية ، صار التعامل معها والخضوع لابتزازها الدائم أمر لا يمكن التستر عليه.
من حالة اللا حرب هذه ستضمن الدولتان عدم وصول المسيرات والصواريخ الحوثية إلى أراضيهما ، ولن ترتبك الحياة فيهما، بما فيها استمرار تدفق النفط إلى المناطق المتأثرة بنقص امدادات الطاقة في أوروبا والعالم بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الأمر الذي يسعى إليه مهندسو المنطقة الرمادية على حساب اليمنيين.