آخر الأخبار
الأحزاب المختطفة وجهنم التي لا تشبع !!
(1) الأحزاب المختطفة
سنوات الحرب دمرت البنية التحتية الهشة والنسيج الاجتماعي لليمنيين.. فككت ترابهم، وزادت من مشكلة الفقر النزوح والكراهية في أوساطهم؛ جعلت من التسول حالة مشاهدة معتادة في الشوارع العامة والأحياء، وأنتجت ظاهرة تجنيد الأطفال. دمرت التعليم وأفسدت القيم، والأسوأ إنتاجها لقوى حاكمة مستبدة فاسدة تسوم اليمنيين شمالاً وجنوباً سوء العذاب..لم تكتفِ هذه الحرب العبثية بكل هذا، بل امتدت لتدمير حوامل السياسة وأوعيتها التي يُراهن عليها لعب أدوراً حيوية للخروج من هذا المأزق الكبير..
فتدمير الحياة السياسية وحواملها البدائية قادت الأحزاب والتنظيمات والتكوينات السياسية لتكون جزءا من لعبة الحرب القذرة واستنقاعاتها واستنفاعاتها.. فصارت مع الأيام عنواناً للانقسام والتذرر بسبب اختطاف قراراتها من قبل قياداتها المستفيدة من هذا الوضع. فخلال سنوات البارود والدم انخرطت هذه القيادات بشكل فاضح في هذه اللعبة القذرة.. فلم نسمع تصريحاً أو موفقاً صريحاً يدين تجاوزات سلطات الحرب وداعميها من دول التحالف وإيران التي صادرت جميعها قرار اليمن، واستباحت أراضيه ونهبت ثرواته، تحت لافتات مراوغة، ووجدت في أذرعها السياسية والأمنية، داخل الأحزاب وخارجها، أدوات لتنفيذ مخططات بعيدة المدى لتفكيك اليمن واستباحة مقدراته.
صارت قيادة الأحزاب هذه جزءاً من مشكلة اليمنيين، مثلها مثل القوى الميليشاوية الدينية والجهوية المنخرطة بقضها وقضيضها في المشكلة وتعقيداتها، ولا يمكن أن تكون، بأي حال من الأحوال، جزءا من الحل السياسي.
في آن واحد غابت الأحزاب حينما اختطفتها القيادات الجشعة واستكانت قواعدها، ليسهل تالياً على مسيري دفة الحرب من تغييبها من المشهد، حتى وإن حضرت بتوقيعاتها على بيانات تحت ما يسمى بالأحزاب الداعمة للشرعية لشرعنة قرارات تدميرية تطبخ، عادة، في مكتب السفير، خدمة لأهداف التحالف ومن ورائه رعاة الحرب الدوليين، الذين جعلوا من المشكلة اليمنية جزءاً من فوائض التسوية الإقليمية، وأزمة الطاقة وملف إيران النووي.
(2) جهنم التي لا تشبع !!
اقتعد الكرسي المتهالك القريب مني في المقهى، وكان بادياً عليه الغضب والحنق الشديدين.. باغتُّه بسؤال استفساري عن ما الذي جعله غاضباً بهذا الشكل؟ وبلا مقدمات رد علي بسؤال أكثر قسوة وبلهجته الشعبية : إلى أين سيوصلوننا هؤلاء الجن ؟ ومتى سيشبعون ؟ قاصداً بذلك حكام اليوم النهمين.
بعدها مباشرة دخل في الموضوع موجهاً سؤلاً للحاضرين .. هل سمعتم بشيء اسمه زكاة المبيع؟ مضت ثوانٍ كثيرة وبطيئة دون أن يجيب أحد على سؤاله، لأن الجالسين إما لم تتفهم طبيعة السؤال، أو لم تمر عليهم و لم يسمعوا بمثل هذا النوع من الزكاة ؟
قال أن الهيئة العامة للزكاة وقعت، قبل فترة، اتفاقية (بالإكراه) مع وزارة العدل، عُمِّمت لاحقاً على رؤساء المحاكم والشعب ومكاتب التوثيق وأقلامها و الأمناء الشرعيين في صنعاء والمناطق التي تحت سيطرتهم، تطلب منهم تقدير فرض زكاة تحت مسمى زكاة المبيع، على كل من يرغب ببيع أو مسكن أو عقار بواقع 2.5 %، يقوم بدفعها البائع والمشتري- للهيئة باعتبار ذلك حالة من حالات ضروب التجارة وتمثيلاتها المعروفة، ولا يُنتظر أن يمرَّ حول كامل، ليتوجب شرعاً استيفاء الزكاة عليها من المشتري، وتحصل أيضاً من البائع، حتى وإن كان بيعه اضطراراً لسد حاجة أو لقضاء مصلحة أو ديْن وليس للتجارة.
أردف قائلاً يبدو ظاهر هذا الاتفاق - الذي تم خارج نصوص القانون والقواعد الشرعية أصلاً- هو مراعاة كل ما لا يدخل في أغراض التجارة وضروبها في هذه العملية، إلاَّ أن الذي يصير حقيقة أنه يتم إلزام الأمناء الشرعيين، بدرجة رئيسية ،باستيفاء هذا الشرط قبل تحرير العقود (البصائر) وإلاَ تعرضوا للمساءلة، وإلغاء تراخيص مزاولة المهنة.
قلت له وأنت ما قصتك في الموضوع حتى انقلب حالك بهذا الشكل فهل ستبيع مسكنك مثلاً؟
قال أن أحد أقربائه- الذي يعمل المتحدث وكيلاً له- يمتلك بيتاً شعبياً في حي قديم، قام منذ أشهر ببيعه لقضاء ديون متراكمة على أحد أبنائه وعلاج إحدى بناته من أمراض مستعصية، وأنه بعد أن أتم عملية البيع الاضطراري تفاجأ بعد شهر باستدعائه لجهة تتبع هيئة الزكاة لدفع نسبة 2,5% من قيمة البيع تنفيذاً لهذا الاتفاق، وإن الأمين الشرعي الذي حرر العقد بناء على تقديره للحالة قد تعرض للمساءلة والتقريع الشديد، ولولا مكانته ونزاهته لتعرض لهيانات أكبر كانت ستصل إلى سحب رخصته، خصوصاً وأن الأمين غير محسوب عليهم !!
أما المشتري – الذي ذهب لتعميد البصيرة و رُفض طلبه حتى يستوفي البائع دفع النسبة أو يقوم بالدفع نيابة عنه- فكان حاضراً وقت استدعاء البائع للشهادة في الأمر.. قال وحتى الآن يُضغط على وكيله من قبل البائع ومندوب هيئة الزكاة لدفع مبلغ كبير لتسوية الوضع أو مهدد بالحبس.
قال إنهم لا يشبعون مثل جهنم ،حتى وإن امتلأت بطونهم بأنين الجوعى والفقراء!! متسائلاً أين تذهب أموال هذه الجبايات مع مثيلاتها من الضرائب والأوقاف والرسوم والمشتقات وبقية الخدمات، فلا مرتبات تدفع للموظفين، ولا خدمات تقدم للناس، ولا إصلاح للبنى التحتية، والتي تقوم بها منذ سبع سنوات منظمات الإغاثة بشكل عام.
إنهم يتلذذون بتعذيب هذا الشعب وأماتته جوعاً وفقراً.
*المقال خاص بموقع "المهرية نت"