آخر الأخبار

أسطوانة الدقيق تمثيلية لا تتوقف في سقطرى

الثلاثاء, 14 يونيو, 2022

يعيش المجتمع اليمني كله غربة داخلية وخارجية فيبحثون عن العمل ويسعون في كسب المال وفي سقطرى تمارس على المجتمع غربة أخرى ليست للعمل ولا لكسب المال وادخاره بل من أجل الشراء بهذا المال طعاماً يكفي أهل بيته،  فما يكاد أكثر الرجال والنساء يصدق نفسه أنه لجأ إلى قريته وباديته ليتعهد مواشيه ومزارعة وليتخفف من أثقال الديوان عليه طيلة فترة تدريس أولاده حتى يجد نفسه مجبرا على المرابطة في العاصمة حديبوه على أبواب المحال التجارية أياماً وأسابيع يصرف ثلث ما جلبه من مال على المطاعم والمشارب وذلك لكي يحظى بكيسين من الدقيق وربما ثلاث كأقصى حد ليضمن عيش أولاده طيلة أربعة أشهر قادمة وقد تسلف قيمة هذه المواد من دويه أو باع بعض متاعه ومقتنياته للحصول عليها.



غريبة لا كالغرائب وعجيبة من العجائب أن تبتغي بمالك قوت عيالك ثم لا تجد رغم أنه متوفر، فلم يطالبهم الشعب بالتخفيض ولم يسألهم على سبب الارتفاع الهستيري في المواد بل طالب مطالبة الضعيف أن يجد المواد الأساسية متوفرة في السوق.

  هذه الحكاية لا تنتهي وهذه الدراما لا تتوقف بل تزداد سواء على سوء في كل عام وهي دراما تؤلف أحداثها السلطة وينفذها التاجر، وشخصياتها الواقع عليها الفعل المواطن والمواطنة المغلوبين على أمرهما ، ذلك المواطن الذي يذهب باكرا فور خروجه من صلاة الفجر فيرابط على عتبة باب التاجر السقاف ليكون له السبق وليسجل اسمه أولا وكأنه يتحصل على صدقة أو إغاثة وزكاة ونحوه، ثم تأتي الظهيرة ويرجع من حيث أتى خائباً مريضا مهموما جائعا لم يظفر بطلبه، ويبيث إلى ليعاود الكرة وهكذا دواليك.

  موظفو بيع هذه المواد ومدير مكتب السقاف يظلون في بيوتهم نياماً إلى ما بعد التاسعة وتصلهم الأخبار من أنصارهم فيقررون بناء على عدد الناس بالفتح من عدمه وفي يوم من الأيام جاءوا بعد الظهيرة فوجدوا مجموعة من الناس مرابطين على الباب فرق لهم المدير فادخلهم وأغلق عليهم وبدأ يصرف لهم سندات وحين سمع آخرون بالأمر جاءوا مسرعين فوجدوا الباب مغلق فطلبوا حبلا ليتسلقوا إلى الدور الثاني وبادر عجوز منهم بالتسلق أولا وما كاد يصل حتى سقط إلى الأرض مكسرا مهشما فضحك عليه البعض وأطلقوا عليه لقب شهيد البور(الدقيق).

  لا يأمن الناس في مادة الدقيق ولو قيل لهم أو ولو رأوا أن كل المستودعات التجارية مليئة بالدقيق فقد علمتهم التجربة أنه مهما كان حجم هذه المادة متوفراً فإنه بلا شك سيختفي في غمضة عين بين لحظة وانتباهتها ولذلك يسارب الرجل وأولاده وربما نسائه وقد يظفر بعضهم وقد يرجعون بخفي حنين. فرب مطوبر رجع من طابوره بالجوع والمرض.

  يقول أحدهم أنا مريض لم يترك لي الدقيق مجالا للمرض، ويحكي لي أحدهم أنه حديث الخرج من عملية أجريت لعينه وقد أمره الدكتور بعدم الخروج من المنزل وعدم التعرض للشمس فقال لم اهتم بهذا كله بقدر اهتمامي كيف أحصل على كيس واحد من الدقيق، وآخر يقول جئت من السفر ولم أمكث مع أهلي وعيالي غير يومين ومن ذهبت إلى العاصمة فقضيت أسبوعا إلى الآن تحصلت في آخره على كيس واحد.

  كثيرون هم من ساعدوا في سبب هذه الأزمة فالسلطة ممثلة برأفت الثقلي والوكيل رائد الجريبي ومكتب التجارة شاركوا في تفعيل أزمة مادة الدقيق وغيرها من خلال إنزال تسعيرة عالية ترجع بعض الفوائد لصالحهم وقد سألهم ذات مرة أحد المواطنين من أمر برفع ثلاثة آلف فوق سعر الدقيق؟ فأجاب التاجر بأن مكتب التجارة هو من أمره بذلك حينها تدخل الثقلي وأمر بالرجوع إلى السعر القديم خوفاً من غضب     الشعب الذي لا يغضب واستئسادا ومن ثم ألقى خطابا يطمئن الشعب إلا يقلق  فالمخزون الغذائي كافي وأنه سيتم تخفيض 30% من سعر السلع ولكن ذلك لم يحصل.


بالأمس عند حلول التاسعة صباحا كنت مع مرافق لي في طريقينا إلى شارع عشرين لاحتساء الشاي فأثارنا صوت سيارة إسعاف قادم من طرف الشارع فرددت دعوات السلامة سائلا الله اللطف يا رب ألطف وسلم، السيارات  المنسربة على الخط جمعيها تركت المجال للسيارة  المسرعة القادمة بأقصى سرعة وبأعلى صوت من ونانات الإسعاف كان الناس يظنون مثلي أن حادثاً أليما وقع أو مشاجرة أو حربا وقتل ونحوه وما هي غير لحظات حتى كادت تصتادني ورفيقي هذه السيارة فانزوينا جانبا بصعوبة بالغة وحين دققنا النظر فيها إذا بها سيارة شرطة مفتوحة الأبواب الخلفية مملؤة بالعساكر ومازال توقعي قائم بخطورة الحدث الذي استدعى هذه الأصوات وحين واصلنا سيرنا قليلا أقبلت جموع من الناس راجالين وراكبين تجري تريد اللحاق بالسيارة مسكت أحدهم مستفهما ما الأمر فقال الشرطة هي التي تصرف الدقيق وقد توزع الناس فريقين فريق ذهب إلى الإدارة العامة للشرطة والفريق الأخر هنا في شرطة الشامل، وحين بحثنا في الموضوع وجدنا أن هذا العمل جزء من مسرحية درامية مرادها حصول العسكر على رشاوى المواطنين.


  اخترت أأضحك على هذا الشعب أم أبكي على ما وصلنا إليه من المهانة وبين ذلك تذكرت سلطة المجلس الرئاسي فسألت نفسي هل يؤرقهم ما وصل إليه الشعب السقطري؟ لكن من يجيبني؟ ومتى؟.     


ذكرت في مقال سابق قريب من هذا المقال مساهمة المندوبين الإماراتيين الفاعلة في تفعيل الأزمة وزيادة فتيل الحرب على الدقيق فقد رفعت أسواق الإمارات في سقطرى تسعيرة مادة الدقيق إلى ما يقارب خمسين ألفاً، وتحدث الإعلام عن ذلك و واجههم أحد المواطنين وهددهم بتأليب الجماهير حولهم للضغط عليهم للرجوع إلى السعر الأساسي وهدد بتحريك مظاهرة تناشد الشيخ محمد بن زايد بمحاسبة العاملين في المراكز التجارية والاغاثية الإمارتية في سقطرى والدعوة إلى استبدالهم.

  نشرت السلطة الواقعية أو الانتقالية اسماء مراقبين على الأسعار وعرضت أرقامهم ومناصبهم ولكن كلهم لا يجرأ على النزول إلى الهيبرات الإماراتية كونهم يتقاضون رواتب من المندوبين الإماراتيين ولكن سيتخطاهم الشعب ويوصل صوته إلى المختصين.

  ولا ينبغي أن نلقي باللوم فحسب على السلطة الواقعية أو المحلية أو مكتب التجارة أو المندوبين الإماراتيين فحسب بل الشعب أيضا شارك في تفعيل هذه الأزمة وزيادتها لعدم وعيه وحرصه على المصلحة الشخصية فقد وجد منهم من يعمل عند التجار فيقوم بمزاحمة الناس وفي نهاية المطاف يبيع ما جلبه على التجار لقاء دراهم معدودة.

 ختاما: ندعو الشعب إلى التجمهر حول كل المشاركين في اشعال فتيل الأزمة وايصال رسالة معاناتهم إلى المختصين في الداخل والخارج والتظاهر على العابثين بأرزاقهم وأقواتهم ومن يتعمد ادلالهم والمطالبة بطرد المستثمر السقاف ورفع الدعم عنه واستبداله.
  المقال خاص بالمهرية نت 

المزيد من محمود السقطري