آخر الأخبار
أموال الضرائب التي لا تخصُّ دافعيها في اليمن!!
في كل البلدان المتحضرة تغدو عملية فرض وتحصيل الضرائب القانونية على السلع والخدمات واحدة من أدوات الحكومات الاقتصادية المستدامة ، وتصير مصارف هذه العائدات في ،كل الأحوال، معلومة وواضحة عند دافعي هذه الأموال من المواطنين في تلك البلدان ؛ حتى أن مصطلح دافعي الضرائب في القاموس السياسي يعني تلك القوى المجتمعية "غير الصاخبة" التي تستطيع التأثير بشكل مباشر على مسارات سياسية حساسة ومتعددة في البلدان التي تنتمي إليها ،حين تصير (جردة الحساب) جزءاً من معادلة المعارك الانتخابية الضارية .. فيكفي أن ترتفع أصوات تتسأل أين ذهبت الأموال التي دفعها المواطنون كأعباء ضريبة مقابل خدمات محددة يفترض الحصول عليها من المؤسسات والجهات الرسمية في تلك البلدان ؟ لتتغير حكومات وتستبدل أدوات الإدارة لسنوات .
تنشأ صناديق استثمارية طويلة الأجل بفوائض عائدات الضرائب لصالح فقط لصالح المتقاعدين، وإنما ايضاً للأجيال القادمة في تلك المجتمعات ، وإن الصرف من هذه الصناديق لصالح قضايا انسانية وتنموية خارج حدود هذه البلدان يتم عبر قوانين تتبناها الكتل البرلمانية المنتخبة ، ومع كل هذه التشددَّات تُقرُّ هذه القوانين بسلاسة . لهذا يعي مواطنو وسكان هذه البلدان كيف تتحصل هذه الأموال، وكيف تنفق ولا يُخفى عليهم بالمجمل شيئاً.
الأمر يختلف تماماً في بلدان العالم الثالث، بسبب انعدام الشفافية وسطوة الإدارة الفاسدة في معظم البلدان التي ينتفع رموزها ومسؤولوها من قضايا الفساد وضعف الأداء الرقابي على مهامهم الوظيفية. وفي اليمن تصير هذه الحالة مجسمَّة مع تفردها بخصوصية لا ترقى إليها أحط الممارسات الفاسدة في نظيراتها .
قبل سنوات الحرب كان المواطن يتحصل على بعض الخدمات الهزيلة مثل التعليم العام والتطبيب وخدمات الكهرباء والماء وبعض السلع المدعومة ، وكان الانفاق الحكومي على مثل هذه الخدمات يمثل النزر اليسير من عائدات الضرائب، لأن الجزء الأكبر منها كان يذهب إلى حسابات لوبي الفساد في السلطة.. كان تحصيل الضرائب وقتها يتم بأدوات مائعة ؛ المُتحصَل فيها للخزينة لا يساوي شيئاً مما يذهب لجيوب المحصلين ورؤسائهم .. وما كان يقيّد ويُثبَّت في السجلات وسندات التحصيل أرقام تختلف تماماً عن ما كان يُحصَّل فعلاً من رجال الأعمال وأصحاب المحلات والمهن ..
اليوم ما (يُجتبى) من هؤلاء ومن غيرهم من أصحاب المهن الصغيرة والهامشية ، تحت بنود الضرائب، مبالغ مضاعفة بمرات عديدة عما كان يتحصل سابقاً، وبوسائل خشنة جداً تصل إلى حد السجن والقهر للرافضين والمتعسرين. المبالغ الكبيرة التي تهرَّب عن دفعها رجال الأعمال الكبار خلال أعوام طويلة في عهد نظام صالح، تم اجبارهم على توريدها باثر رجعي مع فرض غرامات كبيرة عليهم.
مبالغ فلكية تم تحصيلها في السنوات الماضية من الضرائب والجمارك والأوقاف والزكاة والرسوم التي لا تنتهي، ووصلت إلى تريليونات من الريالات ، ومع كل ذلك انعدمت الخدمات التي يفترض أن تقدمها سلطة الجباية للمواطنين من هذه العائدات، فلا تعليم مجاني في المدارس الحكومية، ولا تطبيب في المستشفيات والمراكز والمستوصفات العامة ، ولا خدمات أساسية مثل الماء والكهرباء والوقود، فقد تم تسليع الخدمات العامة في التعليم والصحة والماء والكهرباء والسيطرة عليها واحتكارها ثم إعادة بيعها للمواطن بأضعاف أسعارها بواسطة شبكات معقدة من أعضاء الجماعة والموالين الجدد، الذين تحولوا إلى أثرياء طارئين بدون سابق إنذار.
لا يُصرف شيئاً من هذه المبالغ نظير مرتبات الموظفين المتوقفة منذ سنوات طويلة ، وإن (الأنصاص) التي تصرفها سلطة الجماعة في أوقات متباعدة وفي المناسبات الكبير(رمضان والأعياد الدينية الرسمية) تتعمد معها إذلال الموظفين بإجراءات تعسفية ، وكأنها تصرف كصدقة ومنَّة . طبعاً هنا الحديث عن مرتبات الموظفين العاديين، أما قادة الجماعة وصفها الأول المعينون بوظائف علياء ومواقع تنفيذية حساسة ،وكذا الموظفون المرتبطون بجهاز الجباية المركزي للجماعة ،و الموالون الجدد في الأجهزة التنفيذية ومجالس البهتان (النواب والشورى) فهم يتسلمون مستحقاتهم الكبيرة غير منقوصة وبمواقيت شهرية منتظمة.
الجماعة خلقت نوعين من الموظفين: الأول وهم عموم الموظفين الذين ينتسبون للوزارات والمؤسسات العامة غير الإيرادية ، ويمثلون ما نسبته 80% من حجم القوى الوظيفية في الخدمة العامة ، وهؤلاء هم المحرومون من مرتباتهم ، والثاني هم الموظفون الخاصون بالجماعة الذين ينتسبون للمؤسسات والجهات الإيرادية ( جهات الجباية )، وهو تقسيم يتطابق مع رؤيتها لتركيبة المجتمع بين أقلية ثرية وأكثرية فقيرة أي بين سادة مرفهين وعبيد (أنصار) يكدحون من أجلهم.
المقال خاص بالمهرية نت