آخر الأخبار
كرة القدم وأزمة الهوية
حقق الفريق اليمني للناشئين كأس بطولة غرب آسيا.. فوزا كان اليمنيون بحاجة له اليوم أكثر من أي وقت مضى ، أثار مشاعرهم الوطنية جنوبا وشمالا , معززا جسور الثقة , في مجتمع كادت أن تفصله سدود من عدم الثقة ,في مجتمع عاش حالة من تضارب القيم , كاد أن يصعب فيه الإجماع على معايير سلوكية موحدة , وهوية جامعة , بعد أن نخرته صراعات سلبية تفجرت للتشظي الداخلي , بفعل أنظمة ارتهنت للخارج أكثر من الداخل , وكانت مجرد وكيل لاستلاب الإرادة والسيادة , مثخنة بالفساد , تربع عليها لصوص امتصوا خيرات البلد , وحطموا مقدراتها , ودمروا معنويات الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية , تاركين هامشا يكفي للتدثر المخادع ببعض الناس واستلاب إرادتهم , لاستخدامهم في حشده ضد الآخر , صنعوا الأزمات , وأشعلوا أزمة الهوية .
أزمة أوجدت حالة من الرداءة , سقط في وحلها عدد من مرضى طائلة الإكراه , وتنامي موجة الاغتراب عن الهوية , وفقدان الإحساس بالانتماء للذات الحضارية الأصيلة, وحالة الضياع والتفكك , في مقابل مقاومة ترفض واقع الرداءة , وتقاوم بشدة , كانت ضحية لدعم خارجي طامع بالبلد , استحسن دعم الرداءة , وأجج أزمة الهوية , شرذمة الناس لتجعل من العسر الحديث عن وحدة الهوية وتماسكها .
وكان للنصر قوة ربانية ,بركان فجر مشاعر المجتمع من داخله , ففاض ما فيه من غيض , كانت الهوية اليمنية سيل جارف على ما سواها من انتماءات صغيرة , وهويات بديلة , اعتقد أصحابها أنهم تمكنوا من زرعها و رعايتها , بدماء الفتنة , وإحاطتها بجسور من الثارات والأحقاد والكراهية , مدمرين كل أخلاقيات وقيم الهوية الجامعة ,و ردم تاريخ طويل من الإرث والحضارة والاصالة في ركام صراعات الماضي .
كانوا يوهمون أنفسهم وأسيادهم المتآمرون , إن الجنوب اليمني لم يعد يمنيا , وأن المشروع الاستعماري القديم ( الجنوب العربي ) عاد ينبض للحياة , بعد أن رفضته عدن والقوى الوطنية والقومية العربية منذ 60 عاما مضى , وأن الأموال التي صرفت , والأدوات التي وظفت , قد حققت تموضعها بقوة في جغرافيا الجنوب , ولم يعد للهوية اليمنية أي قبول.
فاجئهم الفريق الوطني للناشئين بهذا الفوز التاريخي العظيم الذي حرك المشاعر , وتفجرت طاقات الهوية اليمنية , في وجه المؤامرة وأدواتها , وصرخ الشباب في عدن بروح بالدم نفديك يا يمن , ورفعوا رايات اليمن الاتحادي عاليا دون خوف , بل قاوموا بقوة كل أدوات المؤامرة , في سيل جارف من المشاعر الوطنية التي دمرت سدود الاحتقان السياسي والعسكري , متجاوزة البندقية وبلادة العسكر , وصلف السياسيين , واسوار الاعلام المنافق , وتدمير وهم الجنوب العربي , لضرب اصل العرب والجزيرة العربية .
خرج الشباب مرددين نعم لعودة الدولة والمؤسسات , والاستقرار وتسوية الواقع بحيث لا يفسد الخلاف للود قضية , محافظين على هوية وأصالة اليمن , وإرادة الناس في حق تقرير المصير دون وصاية , واستلاب للسيادة , والارتهان للخارج , ليبقى اليمن هو هويتنا وحضارتنا وأصالتنا , مهما قرر الشعب دولة اتحادية أو دولتين يمنيتين يتعايش فيها الناس , لننطلق نحو رحاب العصر والنهضة والتفوق , في دولة محترمة تحترم حق الآخر , وحق الإرادة العامة للشعب في تبادل سلمي للسلطة , وتوزيع عادل للثروة والفرص , كخلق الله في سائر المعمورة .
المقال خاص بموقع المهرية نت