آخر الأخبار
تحرير الثورة
بعد 58 عاما من ثورة أكتوبر من الصعب الحديث عنها بعيدا عن غليان الواقع , ثورة صارت مثار جدل بين من فجرها من الفدائيين , واتهامات متبادلة بين منتصر ومهزوم في حرب أهلية أعقبت الثورة مباشرة.
استطاع فيها المنتصر أن يعيد تدوين تاريخها بنفسه , وإخراج أحداثها بمزاجه , بحيث إلغاء وتهميش دور الآخرين , بعد أن أقصاهم من السلطة , في حرب أهلية , أحداثها لا زالت في أذهان الجيل الذي عاش أحداث الثورة ,ولازالت عالقة في ذهنية ذوي ضحايا تلك الحرب , ممن تم تصفيتهم , وتهجيرهم من أرضهم , و نهبت مساكنهم وممتلكاتهم تم تأميمها بفعل إجراءات كان لها أشد الألم والقهر لمن خسروا شقاء عمرهم , والنتيجة غليان اليوم ,الذي زاد قهر وألم ممن ضحو بدمائهم وأموالهم وأرواحهم من الطرفين.
الطرف المضطر للهجرة , تركوا قراهم ومدنهم وكل ما يملكون , وعاشوا فترة غربة واغتراب , عسى وعل , أن ينهض وطن بدونهم , وأن تتعافى اللحمة , وتبقى عدن رائدة , وميناء منافس بقوة , وجنوب متعاف , و وطن يواكب تطورات العصر والنهضة.
والطرف المنتصر استمر في حالة من التفكك والتأكل , بفعل فتن الامبريالية والرجعية والاشتراكية , والتجاذبات الايدلوجية والقومية , التي أحدثت شروخا وصراعات عن السلطة والولاء , وتسببت في مجازر دموية بين رفاق الجبهة , تفككت بفعلها تلك الجبهة ,وضعفت حتى استسلمت للنظام الرجعي المتخلف الذي كان قد سيطر على الشمال بعد اغتيال الشهيد الحمدي , والتهمها بكل بساطة.
في كل هذه الأحداث انهارت عدن , وانهار ميناؤها من ثاني ميناء في العالم , إلى ذيل قائمة الموانئ العالمية , وخاصة بعد جريمة تسريح 165 كادر عدني مؤهل ومقتدر بدون استحقاق ( تحت بند تصفية مخلفات الاستعمار ), وبقت عدن تعيش على ما تبقى فيها من مخلفات الاستعمار , من أنظمة إدارية ومالية واقتصادية وثقافية , وما تبقى من كوادر , وما تبقى من مخلفات فنية ورياضية عرفتها عدن , كان من الصعب اسقاطها دفعة واحدة , لكنها كانت تتهاوى شيئا فشيئا , قطعة قطعة , وتستبدل بكل ما هو رديء.
الحديث عن محاسن الجنوب بعد تلك الثورة , هو حديث عن ما تبقى من عدن , ودورها في نهضة وتثقيف وتعليم براري وصحاري وجزر وبدو رحل وقبائل وعشائر الجنوب باستثناء حضرموت التي ساهمت الى جانب عدن بهذا الدور , ودور متواضع للحوطة وزنجبار , بحكم قربها من عدن ونهضة عدن اثناء الاستعمار .
نحن جيل الخمسينات , عشنا طفولتنا في ظل الاستعمار , وناصرنا الثورة , وشاهدنا أحداثها على الأرض , وكنا على قرب من حماس آبائنا وأقربائنا وجيراننا من الفدائيين , واشتركنا بتواضع في المظاهرات , وتوزيع المنشورات , زرع فينا روح الحرية والتحرر و وهج الاستقلال , وعشنا أحلاما طوباوية , أحلام المدينة الفاضلة , وصدمنا بالواقع اليوم , والتخلف والانهيار , وتزوير الحقائق , بل تزوير لتاريخ الثورة , الذي أسقط أهدافها , وحولها لمجرد وسيلة للمزايدة على الآخرين .
ما لمسنا اليوم نقد الذات , لإعادة صياغة تاريخ الثورة بحيادية ومصداقية.
بسرد الحقائق , وتصحيح الوقائع , بدراسة علمية , وقراءة محايدة , لحسم الخلاف , عن قنبلة المطار , والمناضل محمد حسن خليفة , ودور عدن والقامات العدنية وجبهة التحرير والرابطة , والجمعية العدنية والجمعية الإسلامية في تلك الثورة.
قبل الحديث عن الحرية والاستقلال , علينا أن نحرر الثورة من الوصاية , التي لازال البعض يتمسك بها , يبني عليها وصايته على الوطن , وانه الوريث الشرعي للسلطة , ويثير صراعات عنف حول تلك الوصاية , والسيطرة على عدن , وعدم الاعتراف بدورها , وحقها في الريادة والسيادة.
استمرار الحال على ما هو عليه , هو استمرار لحال الوصاية , التي تنتقل مع انتقال ولاء الوصي , عندما كان موالي القطب الشرقي تشرقنا , والغربي تغربنا , واليوم بين الإقليم تفرقنا , وصرنا أدوات , باعونا برخص التراب , واستلموا الثمن , عاشوا بذخ الحياة , ونحن جياع , الموت لنا وحياة النعيم لهم , من لم يمت بالوباء , مات بعبثية حروبهم , أو تقطع له الموت في طريقه , على نقطة عسكرية أو اشتباه او مداهمة وعسكري بليد او طائش او سكران , تعددت الأسباب والموت واحد.
نحن بحاجة لأن نستعيد ثورتنا , المستلبة من نصف قرن , ونحررها من الوصاية , ونصحح مسارها , ونتحرر من وصاية الخارج, للنهوض بالبلد وعدن , نحن لسنا فقراء , أرضنا ثروتنا , وموقعها الاستراتيجي , و كوادرنا , كفيلة بنهضتنا , تنقصنا الحرية والتحرر فهل نعملها ثورة حتى النصر؟
المقال خاص بموقع المهرية نت