آخر الأخبار

العقل السياسي في عدن

السبت, 25 سبتمبر, 2021

ما أمسنا اليوم لتقييم صادق وحقيقي للواقع، بكل نتائجه الوخيمة، من أخطاء وخطايا، وانتهاكات وجرائم، في سياق الإشكالية الفكرية والثقافية، والخلل القائم فيهما، من خلال العديد من أشكال الهيمنة التي تفرض علينا اليوم، لنكشف بوضوح للجميع شكل ورداءة العقل السياسي الذي أنتج هذا الواقع، واقع بني بعقل مصاب بداء الكراهية والعنصرية البغيضة، وثقافة الثأر والانتقام.
اليوم في المناطق المحررة، ونخص منها عدن، نحتاج البحث عن كيف كانت عدن قبل اندلاع الثورة، وما هو وضعها اليوم؟ ماذا دمِّر منها وماذا بقي؟، ومن هو العقل المسؤول عن كل ذلك؟
 
تعرضت عدن ولازالت تتعرض لتجريف ثقافي وفكري، تجريف للإرث والتاريخ، ليحل محله ثقافة دخيله على المدينة وتركيبتها المدنية، بهدف احداث تغيير ديمغرافي، مضر بعدن، و يعيق استعادتها لمكانتها المتقدمة بين موانئ العالم، وذلك بتوظيف منافسي عدن الإقليميين، لعقل مريض ينفذ الأجندات المطلوبة.
 
كان لحالة العنف الأثر الأكبر لتعطيل دور عدن، وتدمير قدرتها وملكاتها، بل ضرب سمعتها الدولية، ووجعل موقعها الاستراتيجي دون أهمية، في ظل السيطرة والهيمنة لذلك العقل، الذي لا يصنع استقرار، ويصدر الفوضى والعبث، وبالتالي يقدم عدن كمصدر قلق إقليمي ودولي، وبالتالي يعطي حق تطويقها بقوات عنف مسلح، تحمي مصالح تلك الدول، ولا تهتم لعدن ومستقبلها وساكنيها.
 
ذلك العقل السياسي البليد، وما تخلق في حاضنته من أدوات، ودمى تتحرك وفق المصلحة الإقليمية والدولية، في التعطيل والعبث، وضرب كل فكرة وطنية تتخلق، وكل صوت وطني يتشكل من المعاناة، وكل صراخ ووجع يرفض ما يدور، وهذا فعلا ما حدث ويحدث في مواجهة احتجاجات عدن، التي كشفت لنا حجم المؤامرة، ودور ذلك العقل الذي لم تكن اخطائه وخطاياه عفوية، بل كانت مبرمجة، وتصديها للاحتجاجات ما هو إلا دفاع عن ذاتها ومخططها وسمعتها التي فاحت قذارة وعفن المؤامرة الإقليمية التي يديرها التحالف.
 
يكفي ان يعرف كل وطني غيور على الأرض والانسان والهوية والتاريخ والارث، وكل مقهور عن فقدانه لحقوقه، ومقهور عن فقدان وطن وإنجازات وطنية وديمقراطية رغم شحتها، كانت تشكل سياج آمن له ولأسرته ولمجتمعه وأرضه ووطنه، كل متألم عن فقدان مخاض سياسي وثقافي لقرن، كان يأمل تصحيح اختلالاته، يجده اليوم ينهار بكل الإيجابيات، ليعم كل السلبيات.
 
كثر التفكير، وكثر التحليل، والجميع يصل لنقطة لا يختلف عليها المفكرون، ان نتائج ما نحن فيه لا علاقة له بالعمل السياسي، تم إقصاء العقل السياسي المجرب والواعي، والفكر السياسي الثوري الراجح، ليقدم لنا أدوات رثة لا علاقة لها بالسياسة، بل هي أدوات (مدياسة)، فلم نشهد عملا سياسيا حقيقيا، بل ما نشهده هي اعمال تخلو من كل قواعد مفهوم السياسة، تقوم بشتى المؤامرات والمناكفة والدسائس، وتستخدم الإشاعات، وتزوير للحقائق، وتجميل القبح ووتقبيح الجمال، والنتيجة هو واقع اليوم.
 
السياسي هو القارئ الجيد للحدث، وقادر على استقراء المستقبل، ويمتلك قواعد العمل السياسي، ويلعب بها بحنكة، محافظا على كيانه السياسي نظيف، ومتربع للمشهد، لا يفرط القيم وأخلاقيات العمل، ولا يسقط في وحل الرذالة.
 
بعضهم يتخذ من مقولة السياسة (فن الممكن)، مبرر للعمل السيئ، يترك الفن ويأخذ الممكن، فالفن هو قيم جميلة، لا يمكن ان تسقط بالممكن لمستوى لا فن، الممكن هنا هو المتاح للتحرك بحيث ان يحافظ على جمال ورونق الفن، إذا خرج إلى مستوى لا فن، فتتحول من سياسة إلى (مدياسة)، وهو العمل السيئ لفاقدي الخبرة والوعي بالمفهوم.
 
انها ضحالة الوعي، أسقطت الكثير في وحل الصراعات السلبية، وقبح التعامل مع الآخر، فكثيرا وجد هذا الوحل ملعب ليمارس هوايته، ويفرغ ما استوطن في داخله من كره مناطقي وطائفي قذر، قذارة السلوك لا تحاج غير لسانه السليط، ومفردات العفن، وعدوانية، واستسلام للعقل الشرير المكبل بحبل الشيطان الذي يسكنه.
 
فاليوم عدن تشتعل كره، وتبرز اصوت تحريض، ويحشد لتأديب كل من يدعو لتصحيح هذا الواقع البائس، عدن التي لم يعجبهم أيقونتها الثقافية، ولا فسيفساء عدن الاجتماعية، ويعتقدون أنها تشكلت في لحظة طفرة غريبة عنهم، ويجب إعادة تشكيلها بما يوافق مزاج ذلك العقل واجندات الإقليم التي توظفها.
 
حقيقتهم في تاريخ عدن مخزية، وحكايات عدن القديمة وارثها الثقافي والسياسي، يدينهم، هم اليوم يصدرون شائعات تزور هذا التاريخ، وتمحي كل مخازيهم، وبالتالي يعملون بكل جهد وعنف في تجريف ارث وتاريخ عدن، متدثرين زورا وبهتان بشعارات أغرت بعض السطحيين والعاطفين.
 
لن يصلح حال الدولة الاتحادية اليمنية، وكل ما تحمله من قيم التعايش والعيش الكريم، وحريات وعدالة، دون أن تصلح عدن وتتحرر من تلك العقلية، لتكون نواة بناء تلك الدولة، بدعم كل القوى الوطنية والأصوات الغيورة في عدن، وانصاف المظلومين والمقهورين بعدن، ودعم احتجاجات عدن لتصحيح واقعها والله الموفق.