آخر الأخبار
حكاية القحط
ربما أهالي سقطرى هم الوحيدون من يتأثر بالقحط ويتألم له دون غيرهم من أبنا المحافظات اليمنية أو الدول العربية كونهم يعتمدن في تعليف مواشيهم على ما تجود به السماء وما تنبته الأرض ولا يجدون حيلة عند احتباس المطر غير شراء مادة الشعير والسبوس وهو نخالة الشعير.
لا يوجد في سقطرى من يزرع البرسيم أو القضب والجات وغيرها من الأعلاف التي نجدها في المحافظات الأخرى ولم يشجعهم على ذلك أحد لا جمعية ولا منظمة وحتى مكتب الزراعة الملقى على عاتقه الاهتمام بالزراعة لم يقم بذلك على الرغم من وجود المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والمياه الجوفية والسطحية التي تذهب إلى البحر بغزارة.
هناك بعض المشاهدات التي رأيتها توضح حالة التخبط التي ا يقوم بها الناس لمقاومة القحط بعض الناس جلب ما تقى لديه من مواشي إلى حديبوه ومنهم من استأجر حوشا أو بستانا ويجلب لها ما استطاع جلبه من سعف النخيل اليابس والكراتين وبقايا أطعمه المطاعم.
لأول مرة في تاريخ التعليف في سقطرى يقوم الناس بشراء الكراتين الفارغة والحقيقة أن كثيرا من التجار لم يكتف بربحه من البضاعة بل يقوم أيضا ببيع الكراتين الفارغة بل لأول مرة في سقطرى يقوم الناس بهذا النوع من التعليف فقد كان البدو يرون في ذلك منقصة لقيمة الحيوان.
نفس الأمر بالنسبة لبقايا طعام المطاعم فقد كان مالكوا المطاعم يبيعون الجونية من هذه المخلفات بما لا يقل عن خمسة آلاف ريال وفي السابق لا يستسيغ سكان البوادي والرعاة أكل لحوم المواشي التي تقتات في المدينة ولا يشربون حليبها مدعين أن فيها رائحة الصيد واللحوم ويطلقون عليها اسم الجلالة التي اشارت السنة أنه لابد من حبسها سبعة أيام لكن هذا العام كسر كل شرف في النفس وألغى أنظمة العوف والكره.
ومن الغريب أن يقوم بعض الناس بتحمل تكاليف أجرة سيارة من أجل ايصال سعف النخيل اليابس إلى أغنامه في مناطق بعيدة وليس فيها أي قيمة غذائية سوى أنها تحشي البطن فقط وفي المثل السقطري (اينقانيعن د اعيهف) أي يصير مجنونا من ضيع.
عند ذهابي إلى البادية لا بد أن أجلب معي بعض الكراتين أو السبوس أو الشعير وأجد اولادي في حالة استنفار تام كل منهم موكل بعمل أحدهم يقوم بعد صلاة الفجر بتعليف الأغنام والآخر يقوم بتسريحها بعد ذلك وبعد وجبة الصبوح كل منهم يقوم بتعليف الأغنام البعيدة عن البيت وفي فترت المساء يرسل أحدهم لجلب سعف النخيل الأخضر كوننا نمتلك نخيل وفي الليل أثناء تحضير العشاء نقوم جمعينا بتقطيع الكراتين إلى أوصال صغيرة وكذلك اخراج السعف من الجريد لتقديمها في صباح اليوم الثاني وهكذا تستمر الحكاية اليومية بجدول يومي مرتب كل يعرف مهامه وأعماله إلى أن يأتي الفرج وما ذلك على الله بعزيز.