آخر الأخبار
في الذكرى العاشرة بعد المائة لصلح دعان .. إمامكم باعكم ببلاش !!
يرد في كتاب (الطريق إلى الحرية) للعزي صالح السنيدار أنه بعد "صلح دعان" بين الأتراك والإمام يحيى في اكتوبر من العام 1911م عاد إلى صنعاء عصمت اينونو الذي كان مرافقاً للفريق عصمت باشا سكرتير جلسات المفاوضات بين والي اليمن عزت باشا والإمام يحيى حميد الدين في قرية دعان ( في ناحية عيال يزيد في قضاء عمران وتبعد عن صنعاء قرابة 60 كيلو متر اً في اتجاه الشمال).
وصل عصمت اينونو إلى دكان الحاج علي عبد الله الكوكباني في سوق صنعاء القديمة ، وكان هذا الدكان هو محل حلاقة يمتلكه الأخير وكان مكان يتجمع فيه الكثير من الأتراك الذين تعجبهم حلاقة الرجل ، بالإضافة إلى كونه يتابع ويقرأ في السياسة ، وكان ممن ترتاد محله باستمرار شخصيات سياسية تركية نفتهم السلطات العثمانية من اسطنبول وأنقرة وأزمير إلى اليمن المعزل بسبب انتمائهم لحزب الاتحاد والترقي ، وأحزاب سياسية جديدة ومؤثرة.
وبعد صعود عصمت اينونو على كرسي الحلاقة سأله الحاج الكوكباني هل من جديد هل من خبر ( ناورنا بك) ؟ فرد عليه بثلاث كلمات فقط ( إمامكم يبيعكم بلاش) ، وحين طلب منه الكوكباني الافصاح أكثر عما يريد قوله . فبدأ أينونو بسرد التفاصل التي تتلخص في أنه وبعد الترتيبات للتوقيع على الصلح في فرية دعان ، كان بذهن الوفد التركي أن الامام متشدد ولن يساوم أبداً على القضية التي يقاتل من أجلها ،ويقول السنيدار بالنص على لسان أينونو أن لما وصلوا إلى موقع المفاوضات وجدوه رجلاً سياسياً وذكياً ويتظاهر بالدين والشريعة, المسبحة لا تفارق يده وشفتاه تتحركان بالاستغفار والأدعية .
وقد وصلني خبر أن بعض الموظفين مع الحكومة من العرب والأتراك يكاتبون الإمام ومن جملة ما نُقل إليه ما خلاصته : أن اشترط على عزت باشا والوفد الشروط التي تريدها، فالحكومة العثمانية قد فوضت عزت باشا بقبول كل الشروط التي ستُملى عليه، كما أوحوا إلى الإمام بأن الحكومة العثمانية في طريقها إلى الانهيار !
وقال: عند وصولنا استضافنا الإمام فرأينا رجلاً غير ما كنا نتصوره وعند أول جلسة قدم شروطاً قاسية تعجيزية لا يقبلها من له عقل، فخرجنا من عنده مندهشين وأخذنا الصورة معنا { في الغالب صورة الاتفاقية} فقال الباشا ما رأيك؟
فقلت نحن بين أمرين ؛ إما وأن الرجل صاحب مبدأ ثابت عليه باطنه كظاهره، فلا بد لنا أن نقبل {بشروطه} ، وأما إن كان الرجل متظاهراً وهو مادي فلا تنزعج ... فقال: وكيف نعرف حقيقته؟ فقلت أرسل إلى صنعاء ليرسلوا بالأثاث والطنافس والديكور ونفرش بها المكان وندعوه ضيفاً ، فإن وصل وحلَّق ببصره واندهش عرفناه ، وأن لم يلتفت فهو الرجل.
فلما وصل ما ذُكر وفرشنا المكان عزمنا الإمام فخرج لصلاة الظهر وتوجه إلينا ، وعند وصوله باب المكان حلق ببصره ودهش فلما استقر في المكان المعد له قال : ما شاء الله لمن هذا ، فقال عصمت أينونو : هذه هدية من مولانا السلطان أرسلها مع سعادة الباشا تكريماً لمولانا أمير المؤمنين. فأستراح وكأنه ملك الدنيا.
وبعد الظهر اعيدت الجلسة وقد كنت عدلت المعاهدة كما نريد وسلمت له كيسي ذهب مختومة وقلت: وهذه من مولانا السلطان تفضلوا بقبولها .. بعد قليل قدمت له الصورة المعدلة فمر ببصره ووقع عليها وختمها وشكرنا وكان كما قلت لك يبيعكم ببلاش (1)
طبعاً هناك أسباب كثيرة وراء قيام الدولة العثمانية عقد اتفاق صلح دعان مع الامام يحيى في العام 1911م والتصديق عليه في العام 1913 ومنها مقدمات الانفجار الوشيك بين الدولة العثمانية وخصومها في أوروبا (البلقان) وأفريقيا (ليبيا) والجزيرة العربية (اليمن والحجاز)، والعراق والشام ؛ وإن المخاضات العسيرة للحركة الدستورية كانت قد ولدت معارضة قوية للسلطان من أحزاب جديدة افرزتها مرحلة ضعف الدولة مع بزوغ القرن العشرين ، وكان أهم ثمار هذه المعارضة الغاء تعليق السلطان عبد الحميد للبرلمان في عام 1908م بعد ثلاثين عاماً من التعليق.
نصت مواد الاتفاقية بصورة صريحة وواضحة بأنّ اليمن ولاية تابعة للسلطنة العثمانية، وأنّ يعترف الإمام بالحق الشرعي للسلطنة على اليمن .
لم تتنازل السلطنة العثمانية عن الولاية العثمانية للإمام يحيى وإنما منحته بعض الامتيازات له والذي كان يسعى إليها لتحقيقها أثناء تمرده على العُثمانيين، وحقق الإمام بعض المصالح الشخصية من وراء عقد هذا الصلح، فقد اعترفت به السلطة القائمة إماماً للمذهب الزيدي كما تذهب إلى ذلك القراءات.
عشرون بنداً هم قوام اتفاقية الصلح منها :
يُنتخب الإمام حاكماً للمذهب الزيدي وتُبَلغ الولاية بذلك، وتشكل محكمة استئنافية للنظر في الشكاوى التي يعرضها الإمام على أن يكون مركز هذه المحكمة صنعاء، ويعيِّن الإمام رئيسها وأعضائها وتصادق على تعينهم الحكومة العثمانية ، التي يحق لها أيضاً تعيين حاكماً للشرع من غير اليمنيين في البلاد التي يسكنها الذين يتمذهبون بالمذهب الشافعي والحنفي .
تشكيل محاكم مختلطة من حكام الشافعية الزيدية للنظر في دعاوى المذاهب المختلفة . تعين الحكومة محافظين تحت اسم مباشرين للمحاكم السيارة التي تتجول في القرى لفصل الدعاوي الشرعية وذلك دفعاً للمشقات التي يتكبدها أرباب المصالح في الذهاب والإياب إلى مراكز الحكومة .
تكون مسائل الأوقاف والوصايا {في المناطق الزيدية} منوطة بالإمام . أما الحكومة تنصب الحكام للشافعية والحنفية فيما عدا الجبال .عدم جباية التكاليف الأميرية لمدة عشر سنوات من أهالي أرحب و خولان لفقرهم وخراب بلادهم وارتباطهم التام بالحكومة ، وكذا عدم جباية الأموال الأميرية من جبل الشرق في آنس لمدة عشر سنوات. تحدد التكاليف الأميرية بحسب الشرع . إذا حصلت الشكوى من جباية الأموال الأميرية لحكام الشرع أو الحكومة فعلى الإمام أن يشترك مع الحكام في التحقيق وتنفيذ المقرر . يحق للزيدية تقديم الهدايا للإمام إما تواً وإما بواسطة مشايخ الدولة أو الحكام . على الإمام أن يسلم عشر حاصلاته للحكومة . . يخلي الإمام سبيل الرهائن الموجودين عنده من أهالي صنعاء وما جاورها أو حراز و عمران . يمكن لمأموري الحكومة وأتباع الإمام أن يتجولوا في أنحاء اليمن بشرط ألا يخلوا بالسكينة والأمن . يجب على الفريقين ألا يتعديا الحدود المعينة لهما بعد صدور الفرمان السلطاني بالتصديق على هذه الشروط (2)
_______________________________________________
(1) الطريق إلى الحرية ص 19 . وهذه الرواية تختلف عن الرواية الرسمية التي يعرضها المؤرخ محمد يحيى الحداد في كتابه "التاريخ العام لليمن" اعتماداً على سردية الواسعي في كتابه" فرجة الهموم والحزن في تاريخ اليمن" والدكتور فاروق أباظة في كتابه " الحكم العثماني في اليمن"
(2) ينظر كتاب محمد يحي الحداد " التاريخ العام لليمن – الجزء الثالث / اليمن المعاصر) ص22 وما بعدها
المقال خاص بموقع المهرية نت