آخر الأخبار

ذاكرة السنوات العجاف في سقطرى

الخميس, 17 يونيو, 2021

دي جمعانه، دي مسبلي، دي شرب، دي أرطح، دي مندوع، دي اشتراكي، دي انتقالي ..
هذه ليست ألغاز أو فوازير أو كلمات متقطعة بل هي أسماء باللغة السقطرية لسنوات عجاف لا تنمحي من ذاكرة كل سقطري نظرا لوقعها الشديد على نفوسهم وفيما يلي نستعرض حكاية هذه السنوات بحسب ما توافر لدينا من معلومات:
دي جمعانه: سنة من السنوات المجذبة سميت بهذا الاسم نظرا لأنها جرفت معها كل المواشي المعمرة فمعنى جمعانه أو جميعيه الغنمة أو البقرة التي قطع ما زاد من قرنيها وهي ما فاق خمس سنوات فقد ماتت في تلك السنة جميع المواشي المعمرة ولم يبق غير التي لم تلد أو ولدت بطنا واحدا.

دي مندع: وهي من أشد السنوات جفافا وجوعا لدرجة أن الطيور الجارحة وغير الجارحة أكلتها جثت الناس وبعض الناس اعتدت عليهم الطيور وهم مازالوا على قيد الحياة فسملت أعينهم ونعبت بطونهم ونترث أمعاءهم وهو مشهد من أشد المشاهد ايلاما وحق للناس ان يتوارثوا ذكرى هذه السنة.

دي مسبلي: وهي سنة مجدبة جلب فيها أحد التجار نوعا من الحبوب المنتهية الصلاحية من أرض الحبشة فأصابت الناس بالأمراض والاسهال الحادة والغثيان الشديد ولكن الناس لم يتوقفوا عن أكل هذه الحبوب تغلبا على الجوع كونهم لا يجدون ما يأكلون.

دي شربب: وهي من السنوات المجدبة التي استقلت بتسمية خاصة وحكاية التسمية هي أن سفينة عملاقة جنحت في رأس أرسل شرق جزيرة سقطرى وفيها شيء من المواد الغذائية وخاصة الأرز فاجتمع الناس من نواحي الجزيرة ودخلوا في دهاليز السفينة وكل منهم جمع لنفسه من بين الماء ما يستطيع حمله وقد كان الغواصون من الرجال يمسكون بحبال ويرسلون أحدهم إلى خان السفينة فيجمع ما توافر في يده ويعقدها بحبل وهم يجرونها إلى الأعلى وبذلك ضيق نفسه يخلفه غواص آخر.

وعندما طبخ الناس هذا الأرز المستخرج من بين مياه البحر أصبح خفيفا مثل الشربة فكانوا يشربونه بأيديهم ومن هنا جاءت التسمية دي شربب. 

دي ارطح: وهي سنة جافة مازالت تتردد ذكراها وتتوالى حكاياتها ومعنى ارطح جمع رطحه وهي قطعة من اللحم الصافي الذي ليس فيه عظم وهذه السنة من شدة جفافها لجأ الناس إلى أكل اللحوم فقط فلا يوجد شيئا آخر فيأكلون الرطحة الواحدة أو القطعة الواحدة من اللحم فترة طويلة تطبخ في كل مرة ويأكل جزء منها وهذا اللحم هزيل ومتعفن وفيه الكثير من البكتيريا ولكن الضرورة فرضته.

دي اشتراكي: وهي عبارة عن تسع سنوات عجاف أثناء حكم الاشتراكي ابتدأت من سنة 1980 إلى 1989م جفت فيها الأنهار وغارت الآبار يقول البعض أن ذلك عقاب من الله حل على الناس بسبب فجور الاشتراكيين فقد كانوا يسبون الله والدين ويهتكون الأعراض ويشربون الخمور ويحلون الحرام ويحرمون الحلال.
ومازالت آثار تلك السنوات على النخيل والأشجار المعمرة يلاحظها الناس بشكل واضح حيث حصل ضمور في جذع هذه الأشجار في مكان معين
ولم يستقر أهالي سقطرى في بيوتهم طيلة هذه السنوات بل كانوا يطاردون القطر حيث كانت تنزل أمطار خفيفة في المواسم ينبت منها جزء يسير من الحشائش يتكتل عليها الناس من كل مكان حتى ينهونها في فترة لا تتجاوز شهرا واحد وبعد ذلك تحصل أمطار في منطقة أخرى فيرحلون إليها برفقة أهالي المنطقة التي كانوا فيها ودواليك استمر الوضع على هذا الحال لتسع سنوات حتى حصل الفرج ولم يبق لدى الناس من المواشي  إلا بمثابة دري ومنهم من كان يملك ما يقارب ألف ماشية لم يبق له منها سوى أربع أو خمس فقط وقد حصلت فيما بعد أزمة في الحصول على الذكور من الحيوانات لتلقيح الإناث مما اضطر بعض الناس إلى خطف التيوس والكباش والتيران ليلا والبعض استأجرها من مناطق بعيدة وكان أغلى ما يملك الشخص حينها ذكور المواشي.


دي انتقالي: اتفق كثير من الكتاب والسياسيين والمشايخ وعامة الناس على تسمية السنة الحالية بسنة الانتقالي وبعض الشباب اجرى استفتاء على مواقع التواصل بشأن التسمية فاتفقوا على تسميتها بسنة الانتقالي وإذا كانت للأشياء نصيب من اسمائها فيبدوا أن الانتقالي انتقال من النماء إلى الجذب ومن الوفرة إلى القلة ومن كل شيء حسن إلى قبيح وقد صرح أحد شعراء السقطرية أن مظاهر الاشتراكي التي ذكرناها سابقا عادت حاليا على سابق عهدها
ومن امتيازات هذه السنة (سنة الزعيم... أو سنة الانتقالي) أن أنها أعادت على الناس ذكرى هذه السنوات العوادي وأضافت إليها تسمية جديدة للعام الحالي سنة الانتقالي.

ختاما هناك قصور من ناحية التحديد الزمني لهذه السنوات وترتيبها نرجو من الباحثين والكتاب الاهتمام بذلك.
 المقال خاص بموقع المهرية نت 

المزيد من محمود السقطري