آخر الأخبار

المُستبِّد العنصري حين يتكاثر كدمامل قاتلة !!

السبت, 22 مايو, 2021

 قبل ثلاثة أعوام كتبت موضوعاً قصيراً عنونته بـ (بين أن تحب المستبد أو تخشاه )، وحاولت فيه مقاربة الهوة السحيقة في علاقة الشعوب بحكامها المستبدين، من زاوية أن الكيانات الاستبدادية (أنظمة وجماعات حكم)  تدرك حجم الهوة بينها وبين شعوبها ، ولم تتقو العلاقة بينهما بالمحبَّة ، لأنها لا تملك  شيئاً من المحفِّزات والمُرغِّبات الى ذلك. فاستحواذها على السلطة، في كل مرة، تم بالقهر (الانقلابات / الانتخابات الزائفة / شرعيات الثورات الدموية) ، وإدارتها لبلدانها تمت ولم  تزل بالحيلة . لهذا لم يكن التعفف عن السلطة من المدركات النفسية لدى عصائب الحكم فيها.
الشرعية الثورية ،التي حكمت الانظمة العسكرية تحت لافتاتها  قرابة ستة عقود، أفضت في نهاية المطاف الى تكريس  جمهوريات وراثية ، زاوجت سفاحاً بين المال والسياسة، ولم تجد من الوسائل في إدامة تسلطها  أنجع من أدوات القهر ، التي بدأت باستخدام القوة والغلبة ،وانتهت بإنتاج "سلطة أصولية" متعددة الاذرع تتجمع في أيدي أشخاص قليلين "غير منتخبين " يستخدمون كل امكانيات الدولة ومؤسساتها لتملك كل شيء ؛ أما طرائقها المتشابهة في ذلك  كانت بتقوية الأجهزة الأمنية، وجعلها الجزء الفاعل في بنية الحكم .

  ولم تبلغ مطلع الألفية ،الا وقد صارت هذه الانظمة  " دُمَلا " مشبعاً بالقيح ، كان انفجاره متوقعاً ، لكنها أرادته أن يكون على رؤوس الجميع، ولم يُستطع إزالة آثاره حتى الأن، بل نُقلت عدواه الى أكثر من بقعة ، لتصير دمامل ملونة، تصنع تواريخها الخاصة، في الحروب والفوضى والحرائق المشتعلة.

كان قبل ذلك أن نبتت في جسوم هذه الأنظمة ، في عزِّ تسلطها في سنوات السبعينيات والثمانينيات ، مكونات أصولية دينية برغبة وتسهيل منها ، لأسباب تتصل بطرائق التسيير للحكم وخدمة له. فالنظام المصري في عهد السادات عمل على اطلاق قادة الجماعات الجهادية من السجون، وغض الطرف عن عملية إعادة بناء تنظيماتهم، بهدف اضعاف التيار المدني " نقابات وتنظيمات وجماعات طلابية" ،الذي بدا شديد التماسك والتأثير في مناهضته لحكم السادات . ولم يصل عقد السبعينيات الى محطته الاخيرة، الا وكان لهذه الجماعات حلمها المكتمل، الذي  تقوَى مع خطاب الثورة الاسلامية في ايران في فبراير1979 ، الذي رأت فيه الكثير من مكوناتها الغطاء  الايديولوجي الفاعل والضامن لتحركاتها المعلنة، التي تعززت أكثر مع التجييش للجهاد في افغانستان مطلع العام 1980 ، والذي قدمت له دوائر الاستخبارات في الغرب (وأكثرها الـ CIA) كل  أشكال الدعم " في الاشراف  على تنقل الافراد وتدريبهم "  وتولت "الانظمة الرجعية" في الخليج عملية التمويل والتبرير. هذا التجييش تم بين حدثين مفصليين  في تاريخ المنطقة ،وأولهما كان في الاختبار الأصعب لهذه التيارات داخل حاضنتها الام، وتمثل في حركة "جهيمان العتيبي" في الحرم المكي في نوفمبر 1979، وثانيهما الذي عرف بحادث المنصة وراح ضحيته (لرئيس المؤمن) ، في 6 اكتوبر 1981، ببنادق أفراد  من الجماعات التي أطلق قادتها من السجون . هذان الحادثان نبها الأنظمة إلى إمكانية جعل المشكلة الأفغانية وجغرافيتها مساحة تنفيس لهذه الجماعات،  بعيداً عن بلدانها، وهو ما حدث فعلا، قبل أن يرتد وبالاً على الجميع !!.

استثمارات الانظمة الباكر في الجماعات الأصولية ، لم يقف عند النظام المصري، والحاضنة الأصل "المملكة السعودية" ، بل امتد الى نظام صالح ، الذي خطى الخطوة الأكبر في جعلها جزء من بنية نظامه، وليس آخرهم نظام بشار الاسد الذي عمل بعد سقوط عراق صدام حسين  ربيع 2003، على جعل سوريا ممراً آمناً للمجاهدين إلى الأراضي العراقية لإنتاج إماراتهم في غربها، برغبة إيرانية  صرفة ،لتقويض الوجود الأمريكي هناك، وليس بتزامنه الوقتي مع ما فعله نظام القذافي، الذي أطلق المئات منهم من السجون، بذريعة المصالحة و الإستتابة . غير أن هذا الاستثمار تحوَّل الى عبئ على الأنظمة وشعوبها، بتحوصله كمشكلة أمنية واجتماعية، صعب التخلص منها حتى الآن.
الفراغ الذي تركته السلطات ،التي  فككها الربيع  ومُمهداته ،ملأته هذه الجماعات ومستنسخاتها. وبذات رؤية  الأنظمة عملت على فرض سلوكها الترويعي على سكان الجغرافيات التي أخضعتها في خضم الفوضى والفراغ . فالجماعات الطائفية الأبكر في العراق " شيعية وسنية" ، وبعد 2003 أقتسمت البلاد وقسَّمتها  ،لتمارس أبشع الانتهاكات في حق مخالفيها الطائفيين ، وحق الجماعات العرقية والإثنية والاقليات، ووصلت ذروتها مع سقوط مدن رئيسة  ذات عمق سني كالموصل بيد تنظيم الدولة ، في التجلي المكتمل لفساد السلطة الطائفية  في العام 2014؛ واحتاج الأمر تالياً إلى قيام تحالف دولي لمحاربته  والحد من انشطاراته في ثلاث دول تجمعها البادية الكبرى "غرب العراق وشرق سوريا وشمال الاردن "، وما نتج عن ذلك من بروز مكونات إنتقامية بديلة ،هي جماعات الحشد الشعبي، التي جرَفت المدن السنية برغبة إيرانية ، ومهدت لها هذه العملية  تعبيد الطريق الطائفي من طهران الى اللاذقية بدون حواجز أو مصدَّات  قومية وعرقية، بما فيها المصدَّات الكردية ، التي اُضعفت بعد مغامرة الاستفتاء الكردي شمال العراق صيف 2017، وهزيمة كركوك ، وتمكين تركيا عسكرياً في الشمال السوري. مقابل "ابتلاع وهضم" عملية التجريف الطائفي في الغوطة وجنوب سوريا.

حزب الله في مغامرته السورية صار أكثر قوة في لبنان، ومتحكماً بقرارها السيادي وصار يمتلك اليوم مع حلفائه أكبر كتلة نيابية حاز عليها في انتخابات مايو/ أيار2018. وفي اليمن لم يتوار الانقلاب الحوثي ، بل صار جزء فاعلا من معادلة الحرب وتمدداتها، ومقترحات التسويات فيها، التي صارت تتبناها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الديمقراطي بايدن. هذان الكيانان بالإضافة الى حشد العراق يمثلان الآن المعادل الآخر للتطرف التقليدي (الناشط في ليبيا وسيناء وسوريا وجرود لبنان واليمن) ، ومُكِّنا على الأرض لتحقيق هذا المنزع التوازني، وممهداً لإعادة ترتيب الجغرافيات السياسية في المنطقة لإستجابة طائفية ، تصاغ مقدماتها بكثير من التروي. 
ولتجذير حضورها ،ما فتئت هذه الكيانات تستخدم عبر أجهزتها السريَّة الخاصة ( الأجهزة الوقائية) كل وسائل القهر والاكراه في فرض نفسها كبديل للجميع ،وبذات طرائق  أنظمة الاستبداد والسلفيات الجهادية، وبنفس يقين " أن يخشوننا أهم بكثير من أن يحبوننا".
(***)
 الأنظمة والكيانات الرملية التي قادت ثورات مضادة على الربيع العربي استطاعت أبلسة (شيطنة) الربيعيين (تيارات ومجاميع وأفراد)، واستخدمت كل إمكانياتها لنقل الفوضى إلى دول الحاضنة الرئيسة للربيع ( مصر ، تونس، سوريا ، ليبيا، اليمن ، ومعها العراق ولبنان) حتى تستطيع قطع الطريق الرئيس لعملية الانتقال السياسي في هذه البلدان ، وموَّلت حروباً طويلة لتفكيك الحالة الجمهورية فيها ، لإقناع شعوبها أنها تناضل للإستدامة في محيط ملتهب ،وحتى تستطيع تالياً الذهاب  بعيداً ليس في تنسيقات أمنية ، مع دوائر وكيانات وسلطات استبداد، كانت حتى الأمس القريب عدوة للشعوب العربية، بل إلى اقامة علاقات دبلوماسية (تطبيع)، تتوازى مع ضخ إعلامي مقزز لتجميل صورة النظام العنصري وتبرير استبداده وقهره للشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة ، ليس في قطاع غزة والضفة الغربية ، وإنما في الداخل الفلسطيني ، الذي دأب الإعلام المتصهين على نعت سكانه بعرب48  ، في الوقت الذي يُصرُّ سكانه على تقديم أنفسهم  للعالم بكونهم فلسطينيين الداخل تحت الاحتلال، والذين يعانون ، كأجيال متعاقبة منذ قرار التقسيم في العام 1947، من فرز عنصري بغيض يُعرّي زيف توصيف الكيان الغاصب  بالدولة الديمقراطية في محيط مستبد.

 المقال خاص بموقع المهرية نت

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023