آخر الأخبار
لا تشيلون هم
عبارة جميلة تعودنا أن نسمع مثلها من عبارات التطمين من المرشدين الدينين والتربويين والمدربين والموجهين والآباء لكنها هذه المرة صدرت من أحد الزعماء العرب في إحدى جلساته وهو من أبرز اللاعبين بمصير دول العالم الثالث ولذلك صارت العبارة مصيرية مهمة والاحتفال بها أوسع وجمالها متألق ولو عرضت في عرض أزياء الكلمات لتفوقت على غيرها من الجمل والعبارات ولو عرضت في تسابق الهاشتاجات ظفرت بالترند.
والعبارة قاصرة في عربيتها وخاطئة في تركيبها النحوي والكتابي وكذلك الديني وهي مخالفة لتركيبة الدنيا المبنية على الهم والكدر فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما ورد في الأثر أو كما قال الشاعر التهامي:
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
لكن الناس لا يهتمون لهذه الخلفيات اللغوية أو الدينية والطبيعية وما يهمها هو من صدرت عنه العبارة فالرجل بيزنس مان كما يقال في عالم المال ولذلك هي مهمة وجميلة واستراتيجية وحساسة ورحم الله القائل:
إن الغني إذا تكلم كاذبا قَالوا صدقت وما نطقت محالا
إِن الدراهم في المواطن كلها تكسو الرجال مهابة وجلالا
وتأملت العالم من القائل أن يسعدهم وينقدهم من لفح الهم الذي هو أحد أبرز الطابخين والموزعين له في المنطقة العربية خاصة وبعضا من الأقليات الإسلامية في نواحي شتى ولسان حال بعض الناس مخاطبا سموه يا أخي اكفنا شرك ودعك من همومنا ولا نريد جناتك.
تبدو جملة أو عبارة (لا تشيلون هم) أنها مجازية عادية أو اعتيادية يقولها أي أحد لكنها في عالمنا السقطري صارت أكثر أهمية وأغلى قيمة هي في لحظات انتاجها الأول بمثابة مسكن الألم للفقراء والمساكين وهي فرصة ربح لوكلاء الأمير على سقطرى في الداخل والخارج فاحتفلوا بها ونقشت (لا تشيلون هم) على الدراجات النارية والسيارات والبيوت وكثير من الأماكن أينما وجهت نظرك تجدها أمامك.
ثم تطورت العبارة عبر هؤلاء فكتبت على رأس شراع سفينة متوسطة الحجم تحركت من ميناء أبوظبي باتجاه سقطرى رافقتها عدسات التصوير لتنتج خبرا جاء فيه( الأمير محمد بن زايد يسير أسطولا بحريا محملا بـ الآلف الأطنان من المواد الغذائية والإغاثية إلى محافظة سقطرى) لكن وللأسف حتى ولو قبلنا أن هذه السفينة الواحدة أسطولا بحريا لن نقبل أن ربع هذه السفينة وصل إلى ذوي الحاجة ولن نستطيع السكوت على أن أكثر ما وصل منها منتهي الصلاحية.
لكن بعد أن يأس الناس من الحصول على أدنى خير من جملة (لا تشيلون هم) صارت الجملة بالنسبة لهم مجالا للسخرية والفكاهة فوسموا الكثير من صورهم ومعاناتهم بها وألصقوها بكل إخفاق.
(لا تشيلون هم) نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة حتى ملأت الصفحات وتصدرت اهتمام مرتادي التطبيقات الرقمية.
نقشت على علبة اللتر الواحد من البترول والذي وصلت قيمته 5000 خمسة ألف ريالا ونقشت على اللتر الواحد من الزيت والذي تجاوزت قيمتها الـ 5000 ريالا
ونقشت على مادة الدقيق المنعدمة وعلى أسطوانة الغاز الفارغة.
وقال بعضهم يا سعادة الأمير كيف لا نشيل الهم والغاز والبترول والدقيق معدوم كيف (لا تشيلون هم) ونحن من غير رواتب ولا اكراميات ولا نظافة ولا صحة ولا حكومة.
ربما لو قلت لا تبعدوا الهم لصارت الجملة صحيحة معنى ومبنى ودلالة أو لو جعلتها وسطية فقلت كما قال أبو بكر سالم لا تشلوني ولا تطرحوني لصارت أجمل.
وقد قالوا وقالوا وبالرغم من كل ما قالوا أو ما يقولوا فلن يصل إلى أسماع الأمير محمد بن زايد شيئا.
المقال خاص بموقع المهرية نت