آخر الأخبار

لماذا حولوا المدن المسالمة إلى ديار حرب؟

الإثنين, 19 أبريل, 2021

المتأمل في أوضاع مدن مثل عدن وتعز وسيئون والحديدة وقبلهما صنعاء تنتابه حالة من الحزن والألم ويكبر في داخله سؤال  لماذا تحولت هذه المدن إلى عناوين للانقسام والفوضى والدم، بعد أن كانت حواضن جامعة لتعايش اليمنيين بكل تنوعهم الجغرافي والمذهبي؟

الإجابات تتعدد، والبحث في جذور الحالات التي أوصلتها إلى ما عليها اليوم تتقاطع من حالة إلى أخرى ؛غير أن الإجابة المشتركة بينها تقول لمتتبعها وقارئها  أن أطراف الحرب ما كان لها أن تعبث بدم اليمنيين والمتاجرة به،  وتفكيك وحدتهم دون أن تعمل أولاً وقبل كل شيء على تدمير حوامل التعايش في هذه المناطق، من خلال فرض قيم كراهية جديدة إستجلبتها من خارج أنساقها الثقافية وبناها الداخلية!

جاء (الكهفيون) إلى صنعاء تسبقهم عصبيتهم وولائهم للسيد (إمام المذهب)، وكانت صورة المدينة في اذهانهم كتلة من التفسخ والانحلال والفساد، وإن من يديرون شئونها مجموعة من المبتذلين، وإن إخضاعها بقوة السلاح وإدارتها بالقبضة الأمنية التي صممت في الضاحية وطهران.  وحتى يتمكنوا منها أنجزوا سلسلة من المناورات السياسية برفع شعارات المظلومية، ثم أتموا مجموعة من التحالفات بذات البرجماتية الخمينية، التي تخلصت من حلفائها رويدا رويدا ثم إدخال إيران في اتون حرب طويلة وأزمات متلاحقة حتى تبرر لقبضتها الأمنية. استخدمت شعارات غريزية سائلة للتحشيد وتصدير الثورة إلى الجوار حتى تهرب من الاستحقاقات الداخلية. جعلت من شعارات الموت والتضحية والجهاد  مقدمة على شعارات الحياة. هذه الحركة بدأت بالسيطرة على المجال العام، وحولت شعاراتها الطائفية إلى تلقين درسي فج، لم يراع التسامح المذهبي في المدينة طيلة تاريخها القريب. لم يخل هذا التمدد بدرجة رئيسة من مطامع بناء الثروة بأدوات جديدة تنهض على مبدأ  الجباية والخُمس الذي يتجلى بشكل واضح في قانون الزكاة الذي أصدرته الجماعة العام الماضي.  

هبط القرويون إلى عدن باعتبارهم صوت القضية الجنوبية، ووارثي تضحيات شباب المدينة في تصديهم لجحافل الحوثي وصالح (الصالحوثية) التي اجتاحت المدينة في ربيع 2015. لم يحدد القرويون عدوهم بشكل دقيق بل استهدفوا كل شمالي وعلى وجه الخصوص العمال البسطاء (عمال المطاعم والمقاهي وبائعي الخضروات وعمال البناء وأصحاب المفارش)، وعملوا على تهييج غرائز العامة باستعادة الدولة ليس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي يرفعون علمها وشعارها، وإنما دولة الجنوب العربي، الكيان الذي صممته وزارة المستعمرات البريطانية منتصف الخمسينات  لإيجاد كيان هش يبرر وجودها في المنطقة.

ولأنهم لا يملكون رؤية سياسية واضحة، صار خطابهم أقرب للتهريج المنفلت، الذي تستخدمه الدولة الراعية لهم (الإمارات) كمخلب ضد خصومها  في مناطق الجنوب والساحل، في عملية مكشوفة الهدف منها فتح الصراع على مساحات غير سياسية ( مناطقية وجهوية)، حتى يخلوا لها المجال،  لتنفيذ مشروعها في السيطرة على الممر الاستراتيجي بعد أن حولت حلفائها القرويين إلى مستتبعين  يطبلون باسمها وباسم مشاريعها الزائفة في المنطقة مثل التطبيع.

استغلت المجموعات الدينية المتطرفة  وجود الحوثيين وقوات صالح في مدينة تعز وبعض مديرياتها في أسابيع الحرب الأولى لإذكاء روح الكراهية في أوساط أتباعها ومناصريها، وعملت على تحويل القضية الوطنية إلى صراع هويات منفلتة  داخل المدينة ذاتها  بنزعة مذهبية ومناطقية فجة ( كل سكان الجحملية حوثيون وعفافيش وزيود)  وأنتجت لهذا الوضع خطاباً تحريضياً بهذه النكهة المدمرة. ولم تكتف بذلك  بل عملت على أضعاف الحركة السياسية والمدنية في المحافظة، بانتهاج سياسات اقصاء ضد المخالفين من شركاء العمل السياسي، أو توفير حماية رمزية لمتطرفين دينيين  يصدرون فتاوى لمصادرة المجال العام في المدينة المشهود لها بالتمدن والتسامح (أنموذج عبدالله العديني).

الشعارات التي يرفعها المحتجون في مظاهرات سيئون والمكلا لم تخل من شعارات ذات مضامين انعزالية واضحة، وهي نتاج طبيعي لعملية التعبئة الطويلة ضد الآخر غير الحضرمي،  ويتورط بها مثقفون، كان الأحرى بهم إعادة تفكيك خطاب القرية الذي يقودهم إلى التعمية، وليس التحريض ضد البسطاء من الشماليين.

تقول المرويات أنه في بعض مناطق وادي مور في تهامة اليمن تم دفن عشرات جنود الإمامة أثناء انسحابهم من أمام القوات السعودية في حرب  1934 أحياء في الرمال الحارقة تحت مبرر أنهم جبالية (من سكان الجبال) في رد فعل واضح على انتهاكات الجنود واستباحاتها لتك المناطق، ولم تكن قد برأت بعد أوجاع حرب الزرانيق في العام 1928 . بقيت هذه النزعة كامنة، وأعيد توظيفها  عشية الزلزال الكبير حينما بدأت بعض الأذرع الأمنية بتوظيف شعارات كراهية ضد كل ماهو غير تهامي ( ياحُجري بوك بوك التهائم مش حق أبوك)، وتستغل الآن بعض الأطراف عملية الشحن هذه لتصفية حسابات لغايات تفكيكية.

(2)
اليمن كبير ومتعدد ولا يمكن إدارته بالاستحواذ، وإن مشاريع التملك التي تخالها بعض الأطراف هي بعض التهيؤات والقراءات السياسية والتاريخية المغلوطة، وهي بذلك تقتفي أثر رأس النظام السابق علي عبدالله صالح الذي أراد أن تكون اليمن مزرعة سعيدة خاصة وبعائلته وبطانته وحلفائه الدينيين والقبليين، لكنه بسبب نهمه الكبير وجشعه في السلطة جعله يقدم على تكتيكات متناقضة  ابتدأت من قراءته المغلوطة للأوضاع  وانتهت بتحالفه مع الحوثيين أصحاب الاستراتيجية الواضحة والمتماسكة في الاستحواذ والتسلط، والذين كانوا يرون فيه عدواً مبيناً، حتى وهو يقدم لهم كل مؤسسات الدولة ومقدراتها، ولهذا  تخلصوا منه بكل سهولة، بعد أن تكشفت أوهامه الكبرى.

* هذا المقال خاص بموقع المهرية نت

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023