آخر الأخبار

حيرة أهل العلم والأدب والدين !!

الأحد, 21 مارس, 2021

في كتاب ثان للباحثة أميمة حسن شكري زيوار عنوانه (عدد الكواكب بين حيرة أهل العلم والأدب والدين )(*)  تتبع جملة من الأخطاء والإلتباسات التي وقع فيها  المفسرون والمترجمون وأهل العلم والأدب في مسألة تحديد عدد الكواكب وأسمائها وأنواعها، وهذا الموضوع هو امتداد لمشروعها  في الترجمة والتحقيق والتأليف ، والذي تقارب فيه  تعاطي المستشرقين والمترجمين للنص القرآني  بعيداً عن ظرف تنزيله الزمني، ومتوجباته اللغوية.

 جاء في مقدمة الكتاب : " أن هنالك عدداً غير قليل من المفسرين والكتاب ممن حاول التوفيق  بين آيات القرآن  وما وصل إليه علم الفلك متعلقة بعدد كواكب المجموعة الشمسية ؛ وتبعهم في هذا الاتجاه عدد من مترجمي القرآن إلى اللغة الإنجليزية . لم يأت  في النص القرآني ما يدل صراحة على عدد كواكب مجموعتنا الشمسية على النحو الذي يقدمه علم الفلك ."

هناك من ذكر الشمس والقمر من جملة الكواكب ، ولم يعد الأرض منها ، كما هو تصور الكون في معظم الحضارات القديمة ، وجاء بعدهم من نقل التصور الفلكي الحديث للكون حيث الأرض كوكب بينما الشمس والقمر لم يعودا كذلك.

 المحطات المتعددة في تاريخ علم الفلك ، والتي كان  منها تحديد عدد الكواكب بثمانية كواكب رئيسية (عطارد، الزهرة، ،الأرض ، المريخ ، المشتري، زحل ، أورانوس، نبتون) انعكست على أهل الأدب في الشرق والغرب ، فارتسم الكون في أعمالهم منذ أن كانت الأرض مركزه ، حتى أُزيحت عنه وأصبحت كوكباً كأي كوكب آخر حول الشمس، أما أهل الدين فإن هذا التصور الفلكي الحديث كان مزلزلاً لمعظمهم في أوروبا، لتناقضه مع عقيدة الكنيسة الكاثوليكية وتفاسيرهم  للكتاب المقدس، مما دفعهم  إلى منع تداول مؤلفات الفلكي كوبرنيكوس. كما قامت الكنيسة بمحاكمة جاليليو لنفيه مركزية الأرض للكون ولقوله إنها " كوكب"  وإن السماء أكثر من "سبعة كواكب " مخالفاً للكتاب المقدس. وقد عبَّر عدد قليل منهم رفضهم لمسألة  تعليق تفسير الكتاب المقدس بعلم الفلك. صُنع  الشيء نفسه عدد من رجال الدين المسلمين في مسألة تفسير القرآن ؛ فثمة فترات شهد فيها المجتمع المسلم انتقاد بعض المفسرين  للسابقين عليهم ن كما خطَّأ بعضهم بعضاً في آرائهم إلى حد الاتهام بالكفر.

  تقول الباحثة في مدخل الفصل الأول للكتاب والمعنون " نظرة عامة في العلم والأدب والدين " عندما قام موريس بوكاي في كتابه " القرآن  والتوراة والإنجيل والعلم" بدراسة سياق كلمة "كوكب " في القرآن بدأ بقوله:
" يصعب القول بأن الكواكب مذكورة في القرآن  بالمعنى المحدد  الذي نعطيه اليوم لهذه الأجرام السماوية " كان بوكاي مصيباً في قوله ؛ فعند قراءتنا لتاريخ علم الفلك ، نجد أن المفاهيم العلمية لما يعنيه " الكوكب"  كانت متغيرة مع التطور المعرفي عبر العصور ؛ فكلما كانت هناك مكتشفات فلكية جديدة يتبيَّن أن التعريف السابق لـ " الكوكب" اصبح مضللاً ، وانه لابد من مراجعته وتعديله ، وبهذا يتغير عدد الأجرام السماوية المصنفة "كواكب"
في الحضارات القديمة " الإغريقية والبابلية والمصرية والرومانية والفارسية "  استطاع الإنسان أن يميِّز من بين النجوم -- التي تُرى ثابتة نسبياً- خمسة كواكب" سيارة" في السماء  بلغ تألقها القدر الكافي لرؤيتها بالعين المجردة وهي " عطارد، والزهرة ، والمريخ، والمشتري ، وزحل. ولكن في هذه الحضارات كانت "الشمس " ، وكذلك "قمر الأرض" يُذكران من جملة هذه الأجرام السماوية  التي نُصنفها اليوم " كواكب سيارة" في العربية أو "planets"  أما الأرض لم تكن من جملتها . وكل ذلك لأن "الشمس " و"القمر" اُعتبرا " سيارين"  بالنسبة للنجوم "الثابتة " بينما الأرض لم تُلمس حركتها لا حول نفسها ولا حول الشمس ، واُعتقد أنها ثابتة في مركز الكون.

بدأت نهضة العرب العلمية في العصر العباسي بين 749 و 1258 وكانت تلك النهضة من القوة أن أصبحت العربية من لغات العالم العلمي ، وعندما اتسعت حركة ترجمة العلوم إلى العربية في هذا العسر ، استخدمت مصطلحات مثل " الكواكب السيارة" أو "السيارات" أو الكواكب المتحركة أو الكواكب السريعة ، ويبدو أنها ترجمات للكلمة الإغريقية planetai التي تفيد  التجوال . والملاحظ أن البعض كان كان يميز الكواكب عن الشمس والقمر (النيرين) بمصطلح "الكواكب المتحيرة".

 عند حديث بعض مؤلفي علم الفلك والتاريخ في العصر العباسي والعصور التي تليه عن " النجوم" - عدا الشمس- يستخدمون مصطلح النجوم الثابتة  كقدماء الإغريق ، ولكن البعض فضَّل تسميتها " الكواكب الثابتة" ، وهناك مصطلحات أخرى نجد فيها كلمة " كوكب " فـ " المذنَّب " أُطلق عليه " الكوكب ذو اللحية" ، ولكن كانت التسمية الأكثر شيوعاً على ألسنة الناس ، وفي كتاباتهم هي " الكوكب ذو الذنب أو ذو الذؤابة " – بالإضافة إلى النجم المذنب- وقد أُطلق على الشُهب " الكواكب المنقضَّة - إضافة إلى "النجوم المنقضة - ، وقد عُرفت الأحجار النيزكية بهذه التسمية أيضاً، وهذا ما يُفسر لنا العنوان  الذي وضعه القزويني" الشهب وانقضاض الكواكب" لأحد فصول كتابه الشهير " عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات". الأعمال الأدبية التي كُتبت في أوروبا قبل أن يطلق كوبرنيكوس( 1473-1543) نتائج الفكر الفلكي الحديث، صورت الكون كما في نموذج بطليموس في الفكر الفلكي القديم، حيث "الشمس" و"القمر" من جملة "الكواكب " بينما "الأرض" ليست منها.

وأفضل مثال على ذلك (الكوميديا الإلهية)  ملحمة الشاعر الإيطالي دانتي. الشاعر الإنجليزي (جون ملتون) كان قد عرف جاليليو في رحلته إلى إيطاليا وصادقه ، وهو الفلكي الوحيد الذي ذكره باسمه في ملحمته المعروفة " الفردوس المفقود" ، حيث جاء فيها: (وكما في الليل منظار غاليليو/ من دون تأكُدٍ يراقب / الديار والأقاليم المتخيلة في القمر )
الألماني  يوهان جوته (1749-1832) لم يكن أديباً وحسب بل كان عالماً له كتاباته العلمية ، ومن أبرزها كتاب "نظرية الألوان" الذي عبَّر فيه عن رأيه بنتائج الفكر الفلكي الحديث التي أطلقها كوبرنيكوس فيقول في هذا الجانب:
" لم يترك أي اكتشاف أو معتقد أثراً أعمق في النفس البشرية أكثر مما تركه مذهب كوبرنيكوس ؛ فما إن تم التسليم بأن الأرض كروية وكاملة الاستدارة ، كان لابد من التنازل عن الميزة العظيمة في كونها مركز الكون"
إن الجدل الدائر بين علماء الفلك حول تعريف " الكوكب" يُدخل جرماً في قائمة الكواكب ، ويُخرج آخر منها. وربما آخر مثال لذلك أنه في شهر مارس 2016م تناقلت بعض وسائل الإعلام  العالمية خبراً – سبق وأن تناقلته في 2014 وهو إعادة النظر في تصنيف "بلوتو" كوكباً مرة أخرى بعد أن تم استبعاده من قائمة كواكب المجموعة الشمسية في 2006، خاصة وأن هذه المرة رُصدت سحب فوق سطحه.

 تبدأ الباحثة الفصل الثاني من الكتاب المعنون بـ ( نظرات في تفاسير القرآن الكريم وكتابات إعجازه العلمي وترجماته) بسؤال  .. هل يذكر القرآن " الكواكب" بالمعنى الذي يحدده علماء الفلك ؟  وتعرض في هذا السياق بما يستنتجه موريس بوكاي صاحب كتاب (القرآن والتوراة والإنجيل والعلم)   الذي يقول إنه في بعض الآيات لا يمكن تحديد أي من الأجرام السماوية هو المقصود بأنه "كوكب"، لكنه يرى أنه وجد تفصيلاً في سياق آية سورة النورالـ35 ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ...) ويقول المقصود هنا فعلاً هو سقوط ضوء على جسم يعكسه (الزجاج) ويعطيه بريق الدُّر مثل الكوكب الذي تضيئه الشمس.
تخلص الباحثة في خاتمة بحثها المهم هذا إلى أن:
" الواجب هو فهم القرآن الكريم بما تقتضيه لغة العرب، فهم لم يعرفوا تخصيص لغة "كوكب" كما عرفه علماء الفلك الذين تتغير نتائجهم من وقت إلى آخر، وإنما عرفوا أن "كوكب" تشمل الكواكب ، والنجوم ،والمذنبات، والشهب، والنيازك ، وغيرها. والخطأ يتأتى من تخصيص كلمة "الكوكب" بالجرم السماوي  الذي يدور حول نجم ، ونوره ناتج عن عكس ضوء ذلك النجم . 
وترى أنه لا ضير في اصطلاح ذلك في علم الفلك أو تعديله أو تغييره ، ولكن من الخطأ البيِّن  والمحذور أن تُحمَّل لغة القرآن الكريم بمعان لا علم للعرب بها في عصر التنزيل ، فهل يعقل أن نفهم لغة القرآن  بمعان جَدّت باصطلاح حادث ؟
(*) مركز الدراسات والبحوث اليمني- صنعاء / الطبعة الأولى وتاريخ النشر ديسمبر 2019
 
    المقال خاص بموقع المهرية نت

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023