آخر الأخبار
شباب اليمن بين نار البطالة وجحيم الأعمال الشاقة ذات المردود البسيط (تقرير خاص)
اليمنيون بين البطالة والفقر والكفاح - أرشيف
الإثنين, 30 أكتوبر, 2023 - 10:04 صباحاً
ما إن انطلقت شرارة الحرب إلا وغادرت اليمن الكثير من المؤسسات والشركات التي كانت تضم الآلاف من الموظفين، ليترك هذا الكم الهائل منهم في خط الضياع مخيرًا بين أمرين أحلاهما مرُّ، إما البطالة أو البحث عن عمل شاق فيه مردود بسيط.
وانتشرت رقعة البطالة في زمن الحرب بشكل مخيف، مما جعل الناس يقبلون على أعمال لا يهتمون إن كانت ثقيلة عليهم أو كان مردودها بسيط وغير كاف، في الوقت الذي يستغل فيه أرباب العمل الشباب في الضغط عليهم من أجل العمل لساعات طوال.
خياران لا ثالث لهما، أمام شباب اليمن، إما أن يغرقوا في البطالة القاتلة لهم ولأسرهم، أو أن يخوضوا غمار أعمالٍ شاقة، تأخذ منهم ساعات النهار كلها وبعضًا من ساعات الليل بحيث لا يقدرون على التحرك الحر خارج هذه الأعمال.
*عمل لساعات طوال
يقول صابر محمد (27 عاما) " كان لي طموح كبير في مواصلة تعليمي الجامعي بعد الثانوية، لكني فضلت العمل على العلم، لأن في العمل إنقاذ لأسرتي في ظل هذا الغلاء المعيشي القاتل، فلم أجد سبيلًا غير العمل في إحدى محلات بيع المواد الغذائية".
وأضاف لـ" المهرية نت" أبدأ في العمل من الساعة السابعة صباحًا ويستمر حتى التاسعة مساء وأحيانًا وقتًا أطول من ذلك بحسب حضور الزبائن إلى المحل".
وأردف" أحصل في الشهر على دخل قدره تسعون ألف ريال، يخبرني الناس أنني سعيد الحظ في هذا العمل وأن ما حصلت عليه تعد فرصة لا تعوض خصوصًا وأني أتناول وجبة الغداء مجانًا مع بقية العمال في المحل وأحصل كل جمعة على ألفي ريال إضافي".
وتابع" لكني أعمل بجهد كبير أحمل على ظهري أكياس الدقيق والسكر وزن خمسين كيلو كل يوم من سيارة النقل إلى المخزن أو من المخزن إلى المحل، ولا يأتي وقت انتهاء الدوام إلا وأنا في حالة من التعب والإرهاق".
واستطرد " أقضي النهار وأنا أتنقل من زبون لآخر، أبيع لهذا فيلتقفني ذاك وهكذا حتى في وقت ما بعد الظهيرة، الذي يحسب لي بأنه وقت راحة لا أجد فيه الراحة، لكني أفضل هذا العمل على البطالة، على الأقل أن أعمل ولست عالة على أهلي".
وواصل" لولا غلاء المعيشة وانعدام فرص العمل لما اتخذت هذه المهنة مصدر دخل لي، يضيع النهار كله وأنا أتنقل في المحل بين الداخلين إليه والخارجين منه، لم يسعفني الوقت حتى في أخذ دورة تعليمية قصيرة استفيد منها علمياً".
*الحرب ووجع البطالة
في السياق ذاته يقول الناشط الاجتماعي زكريا المنصوب" البطالة ليست وليدة الحرب؛ بل إنها موجودة في أوساط اليمنيين من زمن ما قبل الوحدة اليمنية ولكن تتغير مسمياتها بين فترة وآخرى".
وأضاف المنصوب لـ " المهرية نت " زادت البطالة وتَفشت في المجتمع اليمني شمالا وجنوبا في زمن الحرب المستمرة والتي دخلت عامها التاسع، فاليوم أصبح قرابة نصف الشعب تحت خط الفقر دون عمل وحتى أولئك الذين لديهم وظائف خاصة أصبحت مرتباتهم لا تكفيهم أنفسهم فكيف بأسرهم".
وتابع" موظفو الدولة الذين كانوا بأحسن حال من غيرهم أصبحوا بدون رواتب ليصبح غالبية الشعب تحت خط الفقر.. اليوم أصبح الشباب في الجولات والشوارع والطرقات باحثين عن فرص عمل تقيهم سوء البطالة والفقر".
وأشار إلى أن" غالبية أولئك الشباب الذين يتجولون باحثين عن عمل هم من أكاديمين وخريجي الجامعات ولكن سوء الوضع المعيشي في البلاد أجبرهم على الوصول إلى هذه الحال".
وأكد أنه بسبب الحرب دفع المواطن الثمن باهظًا وذلك من خلال انقسام العملة المحلية بين قديمة لها قيمة ومنعدمة في الجيوب، وبين جديدة لا قيمة لها وإن امتلأت بها الجيوب، والمواطن هو الضحية في الأول والأخير".
وواصل" اليوم أصبحت الحركة التجارية لدى الكثير من التجار في ركود مستمر مما جعل الكثير من أرباب العمل يستغنون عن بعض موظفيهم لينظموا الى صفوف البطالة التى ليس لها حد وهي تزداد في البلاد يوما بعد آخر".
*أعمال شاقة
نتيجة لظروف الحرب وتفشي البطالة، يضطر العديد من الشباب إلى الأعمال الشاقة والخطيرة، من أجل لقمة العيش واتقاء سؤال الناس.
ويقول عبد الرحمن قائد ( 32 عامًا) " ما يتعبنا كثيرًا هو انعدام الأعمال، نحن نبحث عن أعمال وإن كانت ذات مردود بسيط أفضل من أن نقف مكتوفي الأيدي عالة على أسرنا لا معيلين لها".
ويعمل عبد الرحمن في الأعمال الشاقة( مهنة مساعد بناء) ويحصل في اليوم الواحد على ثلاثة آلاف ريال بالعملة المحلية القديمة، لكن الحصول على فرص عمل في هذا العام شبه منعدم، حتى أن اليوم الذي يحصل فيه على عمل يعده من أجمل الأيام.
*جشعُ أرباب العمل
يضيف الشاب لـ" المهرية نت" في الكثير من الأيام نعمل مع مقاولين يأخذون منا أجرة يومين أو ثلاث مقابل أنهم أعطونا هذه الفرصة، ونحن نرضى بذلك على مضض فليس من سبيل لدينا إلا التنازل لأجل أن نعمل ونعيش، والمؤسف أننا إذا ما عملنا لأشهر فإن أغلبهم يترك المبلغ المتبقي لديه دينًا إلى أجل غير مسمى".
وتابع" بعد ما نعمل ونتعب كثيرًا، يبقى لنا مشوار جديد وهو الجري وراء المقاول لنيل مستحقاتنا من العمل، وهو بدوره يخبرنا أنه لم يحصل على المبالغ حتى اليوم أو أنه يتفضل علينا ببضعة آلاف على غير رغبة منه في إعطائنا".
وواصل" ما نتمناه هو أن تنتهي الحرب وتفتح الأعمال في المحافظات لنعمل دونما هم ونحصل على أجرنا دون عناء وجري، نتمنى أن نعود للوقت الذي كان يتواصل بنا المقاولون ويتشاجرون علينا ويزيدون في الأجر مقابل أن نذهب معهم".