آخر الأخبار

عبقرية الفيلم الديني حقوق التميز محفوظة لمصطفى العقاد

المهرية نت - كمال القاضي
الأحد, 01 أغسطس, 2021 - 12:20 صباحاً

يزيد عدد الأفلام الدينية والتاريخية على سبعة أفلام فقط لا غير، ومعظمها تم إنتاجه في فترة الخمسينيات والستينيات، وتولى إخراج غالبيتها المخرج إبراهيم عمارة، ذلك أنه كان مهتماً بتوثيق المراحل المهمة في التاريخ الإسلامي. ولأن السينما المصرية في مراحلها المُبكرة كانت تقوم على الأفكار التقليدية والفطرية فقد نشطت صناعة الفيلم الديني اعتماداً على الرغبة الجماهيرية في مشاهدة تلك النوعية من المُصنفات الدينية، خاصة التي تتناول مراحل انتشار الدعوة الإسلامية والفتوحات والانتصارات، ولأن بعض الدول المهتمة بهذه القضية كانت مُفتقدة لمقومات الصناعة السينمائية فقد لجأت إلى دعم الأفلام الدينية والتاريخية التي تُنتج في مصر.

 

وبحسب نجاح كل فيلم ومستوى الإقبال علية يتم التفكير في إنتاج فيلم آخر، أي أن الصناعة كانت بالطلب تقريباً فما إن يُحقق الفيلم النجاح المرجو ويصل إلى النتيجة المُستهدفة حتى تتكرر التجربة في موضوع آخر مماثل لا يخرج عن الإطار المرسوم للفكرة الخاصة ببداية ظهور الإسلام وانتشار الدعوة، أو قصة الهجرة من مكة إلى المدينة أو تناول سيرة أحد الصحابة أو غيرها من البطولات والفتوحات.

 

ولأن كتابة الفيلم الديني أو التاريخي تحتاج إلى جهد في جمع المعلومات والبحث عن طريقة خاصة وأسلوب معين للمعالجة فعادة ما كان كُتاب السيناريو والمخرجون يتهربون من مسؤولية الفيلم النوعي الحامل لهذه المواصفات، لذا قلت نسبة الأفلام الدينية بشكل ملحوظ وأصبحت بمقاييس الأفلام التجارية الأخرى لا تمثل أكثر من مجرد هامش صغير في دفتر أحوال السينما المصرية صاحبة التاريخ الطويل والتي بدأت مسيرتها قبل مئة عام ويزيد!

 

والأفلام المُسجلة في الأرشيف والمُعتد بها من حيث المستوى الفني والضمني والتاريخي تعد على أصابع اليد الواحدة فهي أقل من العدد المذكور، ولا تزيد عن كونها أفلام يتم عرضها تلفزيونياً في المواسم الدينية والأعياد، وكلها كما أسلفنا أنتجت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ولو شئنا الدقة وتحديد الفترة الزمنية بالضبط سنجد أنها نشطت في فترة الخمسينيات على وجه التحديد قبل أن تضاف إليها نوعيات سينمائية تاريخية في مراحل زمنية تالية كفيلم «الرسالة» على سبيل المثال للمخرج مصطفى العقاد وهو إنتاج حديث نسبياً، وقد تم تصويره بالألوان الطبيعية وأخذ وقتاً طويلاً ممنوعاً من العرض في مصر لأسباب رقابية إلى أن وافق الأزهر الشريف على عرضة بعد إنتاجه بنحو عشرين عاماً على الأقل لظهور شخصية سيدنا حمزة عم الرسول ضمن الأبطال الرئيسيين بخلاف ظهور ناقة الرسول لأول مرة على الشاشة، الأمر الذي مثل خلافاً كبيراً بين الفقهاء والأئمة والرقباء أيضاً.

 

ويعد فيلم «الرسالة» نموذجاً متطوراً للتناول الديني الخاص لهجرة الرسول والمسلمين إلى يثرب-المدينة من حيث الكتابة المُدققة في السيناريو وطريقة الأداء التمثيلي للنجوم والأسلوب الإخراجي للمخرج السوري الكبير، فضلاً عن المشاركة العربية لعدد من الممثلين الكبار، وهو الدعم الذكي للفكرة بتعميمها عربياً بدلاً من اقتصارها على النجوم المصريين فقط، بالإضافة إلى عمل نسخة أجنبية من الفيلم ذاته ليتمكن المشاهد غير العربي من متابعة الأحداث والإحاطة بجوانب القصة وملابساتها لتسهيل فهم المحتوى الديني والتاريخي على المشاهد العالمي الذي لا يجيد اللغة العربية ولا يحيط علماً بالثقافة الإسلامية وتفاصيلها وأبعادها.

 

وفي هذا الفيلم عمل العقاد على تعظيم الفكرة الرمزية للدين الإسلامي والشخصيات البطولية التاريخية، إذ اعتبر أن شخصية سيدنا حمزة هي الرمز الفدائي للمُقاتل الجسور، بيد أنه لم يتوقف عندها فقط، ولكنة استعرض بطولات أخرى لشخصيات مهمة كي لا يُصبح حمزة حالة فردية في تاريخ الفروسية والبطولات الإسلامية، وهو المعنى المُتضمن في سياق الأحداث والطرح الفلسفي غير التقليدي المُختلف عن بقية الأفلام السابقة في الإنتاج كـ»ظهور الإسلام» و»الشيماء» و»فجر الإسلام» و»هجرة الرسول» و»بلال مؤذن الرسول» وغيرها من النماذج القديمة لسينما الأبيض والأسود التي كرست لصورة نمطية اعتمدت على التأثير الشكلي ولعبت على الحس الوجداني للجمهور من دون أن تطرح الرؤية الواقعية بكل أبعادها بعيداً عن الصورة المثالية للأحداث. فعلى سبيل المثال تم تصنيف الممثلين وفق الشكل فمن يرتدون الزى الأبيض هم المسلمون ومن يرتدون الزي الأسود ويأكلون بشراهة ويتصرفون بهمجية ويتبنون العنف هم الكفار، وهي صورة تم توظيفها للإشارة إلى المُتغير السلوكي والحضاري والشكلي الذي يطرأ على من يعتنقون الإسلام فيصيرون أكثر رقياً وتحضراً وهو أمر إيجابي مفهوم، ولكن المشكلة تكمن في تلك المبالغات غير المنطقية لتحقير النموذج الكافر، وهو أسلوب لم يتبعه مصطفى العقاد في تدليله على تميز الشخصية المُسلمة وإنما جعل الجوهر الداخلي للشخصية الإسلامية هو الأهم والأكثر جذباً.

 

وبالنظر لشخصية هند بنت عُتبة قبل وبعد الإسلام نجد أنها لم تختلف كثيراً من حيث الشكل في الصورة السينمائية عند مصطفى العقاد، وإنما ما تغير وشعر به المشاهد هو التفاعل الداخلي للشخصية الدرامية التي تأملت وفكرت واختارت بناءً على قناعاتها الجديدة برغم تأزمها الشديد وحزنها لمقتل زوجها وأخيها وعمها وانتقامها من حمزة.

 

وهذا الملمح يعد من أهم علامات تميز الفكر السينمائي المتطور عند المخرج العربي الكبير مصطفى العقاد في تعامله مع الشخصية الدرامية، الرئيسية أو الثانوية بمواصفاتها الإنسانية من دون الحاجة إلى الرتوش الشكلية الاصطناعية لتحديد هويتها ومرجعيتها ودرجتها الثقافية، سواء كانت مؤمنة أو كافرة، حيث تتحدد المواصفات كلها بما ينضح به المحتوى الداخلي، وهذا هو الفارق المُعتبر بين صياغة العقاد السينمائية العبقرية الناضجة وبين الصياغات الأخرى البدائية.

 

نقلاً عن "القدس العربي"




تعليقات
square-white المزيد في ثقافة وفنون