آخر الأخبار

الجالية اليمنية في أمريكا

الإثنين, 04 نوفمبر, 2024

في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُحسم أعظم القرارات العالمية، يعيش اليمنيون الأمريكيون بين تناقضات الهوية والانتماء، فهم أبناء وطن مزّقته الحرب، ومواطنون في دولة تقود العالم، حيث السياسة الخارجية لا ترسم مصير بلادهم فحسب، بل أحيانًا ترسم مصائرهم الشخصية. 

لكنّ اليمنيين الأمريكيين ليسوا كتلة واحدة متجانسة، بل هم متنوعون في رؤاهم وتطلعاتهم، كتنوع الولايات التي استقروا فيها بعد رحلة اغتراب شاقة، وبينما تظل العيون شاخصة نحو البيت الأبيض، فإنهم يدركون جيدًا أنّ أي تغيير في الإدارة الأمريكية يعني تغيرًا مباشرًا في مسار الحرب اليمنية، سواء بالتهدئة أو التصعيد.

تفاعل اليمنيون مع الانتخابات يتجاوز الحضور الانتخابي البسيط، فإلى جانب المشاركة في الاقتراع، يقوم اليمنيون الأمريكيون بتنظيم حملات، وعقد اجتماعات، وحضور مناظرات عامة، مدركين أن كل صوت وكل موقف قد يكون له تأثير على مستقبل أجيالهم المقبلة، سواء داخل أمريكا أو في اليمن.
  وتتقاطع مطالب الجالية اليمنية مع مصير بلادهم الأم، أبرز تلك المطالب هو إنهاء الحرب التي أكلت الأخضر واليابس في اليمن، مطالبين بموقف أمريكي أكثر وضوحًا تجاه دعم السلام بدلًا من استمرار الحرب، يعلّق اليمنيون الأمريكيون آمالهم على انتخابات تجلب إدارة تسعى لحل سياسي شامل، يضع حدًا للأزمة الإنسانية الطاحنة التي يعاني منها اليمنيون منذ سنوات.

على الصعيد الداخلي، فإن الجالية اليمنية تناضل أيضًا من أجل حقوق المهاجرين واللاجئين، مع تزايد العداء للمهاجرين في بعض الدوائر السياسية، بات اليمنيون في الولايات المتحدة يواجهون تحديات تتعلق بوضعهم القانوني، وهو ما دفع العديد منهم إلى الانخراط في المنظمات الحقوقية والدفاع عن حقوق المهاجرين.

قبل عقود قليلة، كان الحلم الأمريكي لليمني البسيط ينحصر في العمل لإعالة أسرته في اليمن، لكن الأجيال الجديدة من اليمنيين الأمريكيين، التي ولدت وتعلمت في الولايات المتحدة، أصبحت تمتلك طموحًا أبعد من مجرد الكفاح اليومي، فقد باتت الجالية اليمنية تلعب دورًا متناميًا في الحياة السياسية والاجتماعية في أمريكا.

في ولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا وميشيغان، حيث الكثافة اليمنية كبيرة، يبرز رواد أعمال ناجحون، وقادة مجتمع، ونشطاء سياسيون يعملون على تغيير صورة الجالية وتحقيق مصالحها. من الوقوف في وجه قرار حظر السفر الذي استهدف بلدانًا ذات أغلبية مسلمة، إلى قيادة حملات دعائية تدعو للتصويت في الانتخابات، أثبت اليمنيون الأمريكيون أن لهم وزنًا لا يمكن تجاوزه.

ورغم أن اليمنيين ليسوا الجالية الأكبر عددًا بين العرب في الولايات المتحدة، فإن تأثيرهم يتخطى حجمهم العددي، فقد أثبتوا أن بالإمكان، من خلال التنظيم والحراك المجتمعي، إيصال صوتهم إلى أعلى المستويات، سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال البرلمان المحلي والكونغرس.

تشير الإحصائيات إلى أن عدد اليمنيين في الولايات المتحدة يتراوح بين مئتان إلى ثلاثمئة ألف نسمة، إلا أن هذه الأرقام قد لا تعكس الصورة الكاملة، إذ أن تأثيرهم الفعلي يتجاوز العدد، ففي بروكلين بنيويورك، وديربورن بميشيغان، تجد مراكز تجارية، ومطاعم، ومتاجر، وسلاسل أعمال يملكها يمنيون، مما يعكس اندماجهم العميق في النسيج الاقتصادي الأمريكي.

ورغم أن معظم الجالية اليمنية تنحدر من الطبقة العاملة، فإن التعليم بدأ يلعب دورًا محوريًا في تشكيل نخبة جديدة من اليمنيين الأمريكيين، فنرى اليوم محامين، وأطباء، وأكاديميين يمنيين يحجزون مقاعدهم في المجتمع الأمريكي، ويساهمون في رسم صورة جديدة لليمني في أمريكا، صورة لا تختصر في الهجرة والكفاح، بل في القيادة والتأثير.


في ظل كل هذا، يدرك اليمنيون الأمريكيون أن الانتخابات الأمريكية ليست مجرد مناسبة سياسية عابرة، بل هي استحقاق تاريخي يشكل مستقبلهم ومستقبل وطنهم الأم، ففي كل اقتراع، تتجدد آمال اليمنيين بحصول تغيير يخفف من معاناة أهاليهم في اليمن، ويمنحهم في الوقت ذاته فرصة أفضل في بلد الفرص.

يبقى اليمنيون الأمريكيون نموذجاً حيّاً لتفاعل المهاجر مع الديمقراطية في بلد جديد، يحملون هموم وطن بعيد في قلوبهم، ويأملون في مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، وكل دورة انتخابية تفتح لهم أبواباً جديدة، وتحمل في طياتها آمالًا بتغيير يقربهم أكثر من سلامٍ طال انتظاره، وعدالةٍ تنصف المهاجرين، ووطنٍ يبتسم بعد أن غطاه الغبار.

المزيد من سامي الحميري