آخر الأخبار

دور عمان العظيم يسجله التاريخ بأحرف من نور.. وكفى

الاربعاء, 20 سبتمبر, 2023

 عِنْدما تقوم سلطنة عُمان بأدوارها المحوريَّة في القضايا العربيَّة والدوليَّة فإنَّها على الدوام لا تنتظر أن تتصدَّرَ وسائل الإعلام، ولا تبحث عن معلَّقات المدائح من قِبل الأشقَّاء والأصدقاء، فهذه الأدوار والمواقف العُمانيَّة المُشرِّفة متلازمة عُمانيَّة نابعة من الأصول الثابتة الرصينة وعُمق التجربة العُمانيَّة التي تراكمت خلال تاريخها الطويل، وتستند إلى مبادئ الحقِّ والعدل ونَشْر الخير والسَّلام والأمان والاستقرار والازدهار، وهي قواعد مؤسَّسة على القِيَم وقواعد القانون الإنساني الدولي، وهو جوهر استقلاليَّة الموقف العُماني. وبالمقابل فإنَّ هذه الأدوار العُمانيَّة المُشرِّفة تفترض عدم التقليل من شأنها أو انتقاصها أو الاستخفاف بها.

ولكن عِنْدما نرصد بعض التصريحات حيال الجهود العُمانيَّة في الوساطة والدَّوْر العُماني منذ بداية الأزمة في اليمن الشَّقيق، فنحن نتطلع من الأشقَّاء عدم اللمز والتقليل من تلك الجهود التي يعْلَمها الأشقاء في اليمن أوَّلًا، ولا نوَدُّ ذكرها فهي واجب إنساني عروبي أخلاقي يفترض على بلد مِثل عُمان أن يقومَ به كما قال عَنْه الرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم) قَبل أكثر من 14 قرنًا: «لو أنَّ أهلَ عُمان أتيتَ، ما سبُّوك ولا ضربوك» فذلك الأساس المتين والوصف الدقيق الذي وصَف به رسولنا الكريم يتجلَّى اليوم فيما تقدِّمه عُمان من سياسات قائمة على القِيَم الإنسانيَّة في جهودها الصَّادقة والتي تتطلب التقدير فقط. ولا شكَّ أنَّ عُمان عِنْدما ذهبت إلى اليمن كان بتوافق بَيْنَ الأشقَّاء اليمنيِّين وللثِّقة التي تحظى بها سلطنة عُمان، وهي ـ بلا شك ـ تبحث عن نَشْر السَّلام والأمن والاستقرار باليمن، ولا تبحث عن أيَّة مصالح عابرة. وذهب الوفد العُماني في جهود الوساطة أكثر من (4) مرَّات سابقة بعد أن كانت مسقط هي الحاضن لتلك المفاوضات لسنوات، وكان وفد أنصار الله يتَّخذ من مسقط قاعدة للتفاوض، وهي ـ بلا شك ـ أرضه وبلده في ظلِّ تلك الظروف التي يعيشها اليمن والحصار والصراع اللذين يضيِّقان الخناق على الأشقَّاء في اليمن، فكانت السَّلطنة هي النافذة والرئة التي يتنفَّس من خلالها إخوتنا في اليمن، وهذا بالتأكيد من صميم الواجب العروبي والإنساني والأخلاقي.


المواقف الإنسانيَّة العُمانيَّة التي عُرفت بها سلطنة عُمان عَبْرَ تاريخها والتي ترجمتها السِّياسات العُمانيَّة في العقود الخمسة الماضية خلال تَولِّي جلالة السُّلطان قابوس ـ رحمه الله ـ وتستكمل اليوم برعاية كريمة من جلالة السُّلطان هيثم ـ حفظه الله ورعاه ـ هي سياسات عُمانيَّة أصيلة تُعبِّر عن استقلاليَّة الموقف العُماني، وهي تتميَّز بخصوصيَّة عُمانيَّة لا يُمكِن أن تنحازَ لأيِّ طرفٍ أو لأيِّ موقف آثمٍ عقائديًّا مذموم فكريًّا مُخلٌّ سياسيًّا والتاريخ شاهد على ذلك. وعِنْدما نجد مَن يحاول التقليل من هذه الأدوار الكبيرة ويصفها بمحدوديَّة التأثير بعد جهود مضنية من أجْلِ نَشْرِ السَّلام والاستقرار، نوَدُّ هنا أن نلفتَ الانتباه ونؤكِّدَ أنَّ سلطنة عُمان رغم ما تعرَّضت له بسبب هذه الوساطة من إساءات واتِّهامات من قِبل الأشقَّاء نؤكِّد لَهُم أوَّلًا أنَّ عُمان صادقة مع نَفْسِها ومع الآخرين، وهي تمارس أدوارها بما يُملِيه عَلَيْها واجبها تجاه الأشقَّاء لرفع المأساة والمعاناة عن الأشقَّاء من أبناء الشَّعب اليمني، ولَمْ تجنِ السَّلطنة أيَّة مصالح مادِّيَّة، بل على العكس من ذلك فكُلُّ جهودها التي تقدِّمها في نَشْر الخير والسَّلام تحتسبها عِنْد الله ولا تقدِّم نَفْسَها على وسائل الإعلام، بل تتحرك بهدوء ورويَّة ومثابرة، وجهودها تبعث إضاءات لِتملأَ الآفاق، والحمد لله هي جهود موفَّقة دائمًا وذات تأثير كبير على المستوى الإقليمي والدولي .


وإذا عُدنا للملف اليمني فمن المُهمِّ هنا أن نشيرَ إلى أنَّ الوساطة العُمانيَّة كانت سببًا رئيسًا وعظيمًا في استمرار الهدنة ووقف إطلاق النار في الصراع الدَّائر في اليمن، ولولا استمرار هذه الهدنة لَمَا وصلت المفاوضات إلى هذه المرحلة المتقدِّمة اليوم، حيث اجتماع الرياض الذي يقدِّم نتائج مبشِّرة وكبيرة لإنهاء الأزمة بعون الله. كما أنَّ عُمان لا يُمكِن أن تفرضَ مواقفها على الآخرين في المباحثات، وتحاول بجهودها المستمرَّة تهيئة الظروف والوصول إلى نقطة النضج في المواقف لتحقيق النجاح، وهذا هو دَوْر الوسيط، وهنا تظلُّ عُمان هي بارقة الأمل والبلد الآمن لاحتواء الصراعات والخلافات بَيْنَ الأشقَّاء، والطرف الموثوق به والصَّادق دائمًا والذي لَنْ يتخلَّى عن دَوْره المحوري الكبير، وعلى الآخرين تقدير هذا الدَّوْر، سائلين الله الخير والسَّلام والازدهار لليمن الشَّقيق والوطن العربي عمومًا والعالَم أجمع والله من وراء القصد.

نقلا عن صحيفة الوطن العمانية