آخر الأخبار
عدن فكر ومشروع لا تقبل المساومة
ما أحوجنا اليوم للعقل المفكر، ليزيح عنا شطط وطيش السياسة الطفولية، التي تقدم مشاريع أحلامنا بشكل هزيل وسيء، مما يدفع بالكثير رفض المعروض السيئ، ما أحوجنا لسياسة عقلانية، وسياسيين عقلاء، يضعون الاختلاف والتنوع صوب تفكيرهم في القرارات والمواقف السياسية من وجهات نظرة مقبولة للجميع .
المعروض السيئ، هو معروض يستهدف المشروع نفسه، معروض مدسوس من قبل الأعداء، لهدف صنع الأزمات، وزيادة حجم التراكمات، وحجم الضحايا والثارات الدماء المهدورة، للوصول لاحتقان سياسي يعيق طريق النجاح .
نحتاج أن نخوض في مسألة اختيار الجنوب العربي كمشروع، وراية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، معا في تقديم القضية الجنوبية للناس في الداخل، والعالم الخارجي .
لا اعتقد أنها صدفة، بل اختيار موجه، من قبل القوى الاستعمارية، التي فشلت في ترسيخ مشروع الجنوب العربي قبل نصف قرن في عدن، مشروع كان يراد منه الإبقاء على عدن كبؤرة استعمارية، تناطح كل المشاريع العربية والقومية، والمشاريع الوطنية التي تتشكل في الوطن العربي والإسلامي .
منذ الأربعينات ظلت عدن أهم معقل ثوري احتضن فكرة الوحدة كمشروع وطني وعربي وإسلامي، وتصدت بقوة للمشاريع المستعمر الصغيرة, و تصدت لمسعى المستعمر في إحداث تغيير ديموغرافي في عدن، يفقدها هويتها اليمنية والعربية، و ينتزعها من عمقها العربي، ليجعل منها مجرد بؤرة للمؤامرات لضرب أي مشروع وطني عربي قومي إسلامي، كان يراد لعدن أن تكون حضن يستوعب كل قوى الاستخبارات الدولية والصهيونية الاستعمارية، وعصابات المافيا والتآمر، وعجز أمام وعي وفكر تحلت فيه النخب في عدن، التي كانت وعاء للثوار والمناضلين اليمنيين والعرب، والداعمة لثورات التحرر والاستقلال في كل ربوع وطننا العربي، وكان صوت عبد الناصر مسموع في عدن وخطاباته تجلل الشارع، وصوره تزين البيوت والمحلات والمقاهي والنوادي والمنتديات ,كانت عدن وقتها شعلها ثورية ومنارة ثقافية وفكرية تحمل روح الحرية والاستقلال لكل العرب، وتحمل مشروع الوحدة العربية .
اليوم عدن وقعت بين مشروع يعيدها لما رفضته قبل أكثر من ستين عاماً، ومشروع الدولة الاتحادية التي تحافظ على بقاء روح الوحدة الوطنية، كنواة للوحدة العربية، وتحفظ عدم تكرار استغلالها من قبل طرف دون غيره، حتى لا تتكرر مآسي ما بعد الوحدة، وعدن لن تقبل مشروع رفضته قبل نصف قرن ,يفرض عليها بالقوة بعناوين مختلفة، وشعارات حق يراد به إخضاع، والحقيقة بأنه واضح المعالم والمؤشرات من الارتهان والتبعية للمستعمر وأذنابه .
عدن تدعوكم للسلام ، و تطمح من خلاله أن تكون مدينة بلا عنف، و تمتلك من المقومات الثقافية و الفكرية والتربية الكافية، لتستوعب كل الأفكار والثقافات والأعراق، ولديها من التجارب ما يجعلها رائدة في التعايش والعيش الكريم و وتسامح الأديان و العقائد والأيديولوجيات، عدن الضابطة لإيقاع الحياة والعلاقات بنظام وقانون نافذ على الكبير قبل الصغير، وعلى المسؤول قبل المواطن.
عدن مدينة عرفت انها حاضنة للجميع، وضابطة لسلوكياتهم العنيفة، إذا ما التزم الجميع بخصوصيتها، و اندمجوا في نسيجها، وتحلو بثقافتها، وتعايشوا مع تنوعها، وقبلوا على أن يكونوا جزءا جميل من فسيفساؤها.
ما يقتل روح عدن الجميلة، هو العنف القبيح، والعصبية المقيتة، ومحاولة فرضها كأمر واقع، بمعايير مناطقية طائفية أيدلوجية أثنية، معايير تستدعي ماضي أسي وبائس، لتعكر صفو عدن الجميل، وترفع البندقية في وجه كل جمال يرفض ذلك القبح، بأعذار أقبح من الذنوب، فقبح عدن اليوم، هو قبح الأدوات التي تعسكر عدن، وتريد أن تسيطر عليها كعاصمة دون دولة، ودولة دون حق، وحق يراد به باطل، باطل فقدان عدن لمكانتها وخصوصيتها وشخصيتها، لتكن مجرد جبهة في معركة عدن فيها هي الخاسر الأكبر، وحلبة لصراعات تقبح جمال عدن، وتلغي حقها في أن تكون رائدة وقائدة لمسيرة تحول لحكم مدني لا عسكري .
عدن ترفض شرعنة الحاكم الغالب، وهي شرعنة لصنم تحرسه بندقية، وتحميه عصبية، ويحكم بالحق المناطقي أو الطائفي، العقائدي أو الأيديولوجي، أو حتى الإلهي، وكلها أحكام لم تفضي لدولة الحق ولا تستقيم مع الحرية والعدالة والمواطنة، بل تقوم على دماء وأشلاء الأبرياء، ويتربع من خلالها قائد بكل مواصفات النفاق والزور، على جثث المختلفين عنه والمخالفين له، وعلى أطلال مدينة، تتجرد من القيم والأخلاقيات والعلاقات الحميمة والتعايش واستيعاب الجميع دون استثناء .
ما نسمعه اليوم من خطاب التهديد والوعيد، خطاب الاتهام والتخوين، هو خطاب يعود بنا لكارثة النفير، الذي لم يفضي سوى تجريف عدن من تنوعها، و محاولة قتل روح عدن ونفسها المتعدد الجميل للتعايش، بحب وتسامح، وترتقي ويرتقي كل ما بها من مجتمع ودولة ومؤسسات وروح إنسانية، وعمق ثقافي وفكري وتربوي .
اتركوا عدن تعيش كما خلقها الله، مدينة التعايش للأعراق والثقافات والأطياف والمناطق، اتركوها بيئة حاضنة للأفكار ,بل بيئة مساعدة للتلاقح الفكري، والتنوع الذي يثري الحياة، ليتخلق منها ما هو جديد ومفيد، ليكن نافعا للوطن والمواطن .
فهل تعقلون، وتتركوا للعقل والتعقل في عدن يتمخض خيرا، ومنها سيولد المستقبل، والتحول المنشود لدولة محترمة تحترم الجميع، وتحترم حق الإنسان في الحياة دون عنف وتسلط وبغي وقهر، لنعيش في سعادة وتوافق ونعيم كسائر الأمم المحترمة في المعمورة .