آخر الأخبار

خطايا العنف وإشعال النيران

الخميس, 15 سبتمبر, 2022

تتخذ بعض الجماعات أو الحركات من العنف وسيلة للوصول لتغيير سياسي , وتقدم نفسها كقوة تحت خدمة الوكيل الإقليمي والدولي للحرب , وتعتقد أنها تستطيع بذلك أن تمتلك السلطة و تستحوذ على الثروة , لفرض واقعها على الآخرين.



في اليمن والجنوب اليمني قد حدثت دورات العنف , وفي كل دورة تزداد الأمور تعقيدا , وينهزم الجميع حتى المنتصر , ينهزم أخلاقيا , ويتلقى هزائم متتالية, العنف كهدف في مجتمع مثخن بالجراح , لا يسمح للتعافي , بل يدمي تلك الجراح , بآثار عكسية تلحق ضررا كبيرا بالواقع .

أخطر ما في العنف , هو عدم السيطرة , وانفلات الأدوات , وتركها تمارس ثارات بتطرف وعصبية , وانحراف مسار المعركة على هدفها , لتتحول لمعركة تمزيق الممزق , و تشتيت المشتت , وصب الزيت لإعادة إشعال حرائق الماضي , لتلتهم الحاضر , وتعيق الوصول لمستقبل آمن .

المجتمع اليمني جنوبا وشمالا , أكثر المجتمعات تضررا من العنف والعنف المضاد , هكذا مجتمع لا ينفع علاجه بالعنف ( وداوني بالتي كانت هي الداء ) , هو بأمس الحاجة للتصالح والتسامح , وتجفيف منابع العنف , لمحاصرة الإرهاب الفكري والثقافي والبدني , استراتيجية تنفذها دولة ونظام وقانون ضابط وعادل , وتفرض عدالة انتقالية لتحقيق عدالة اجتماعية , لجبر الضرر وإنصاف الضحايا , و اعتراف المخطئ , وعدم تكرار الخطأ , كل هذا يحتاج وعي وعقلانية .

اليوم غاب العقل وغابت العقلانية , وتسيد العنف والشطط والبندقية , وتم توظيف ذلك من قبل العدو القديم الجديد , ومن مستعمر غاز , لمستعمر وصي , واستهدفت فكرة الدولة الوطنية , وأي راية ترفع فكرة السيادة والإرادة , وتحمي الوطن ( أرضا وإنسانا وهوية ) .

 تسيد الخطاب الثأري المتشنج والمتعصب , وتخلقت منه طفيليات مناطقية طائفية مذهبية , تعلن معركتها مع الآخر على حساب وطن ومستقبل أمة وكرامتها وعزتها , بقيادة سماسرة شبعوا وتحسنت أحوالهم , وجاع الناس وساءت أحوال العامة منهم , معيشيا خدميا , والنتيجة احتقان عام يضع الوطن على كف عفريت.

  ما يحدث من معارك , وإشعال النيران في أرض الجنوب , لا يخدم القضية الجنوبية , يخدم أعدائها, والمرعوبين من يمن قوي , وبالتالي جنوب يمني قوي ,منافس بقوة مقومات الأرض والإنسان , وما وهبه الله للجنوب واليمن من موقع استراتيجي , وثروة ,بلد سياحي متنوع وأرض خصبة , يسكنه فقراء , بسبب العنف والابتزاز .

  انظر لعدن الغارقة في وحل من الفقر والجوع والمجاعة والحاجة , وهي المدينة التي ذاع صيتها ذات يوم كمصدر خير للمنطقة , ونقطة وصل تتوسط خط التجارة العالمي , اليوم هي في وضع لا يحسد , بسبب العنف الجاثم على واقعها .

  هذا العنف الذي يتمدد بدعم خارجي ( إقليمي دولي ) ليزيح فكرة الدولة , وهو مسلوب الإرادة , وبالتالي عاجز على ترسيخ ما هو أفضل , ليس إلا عصا بيد الكفيل تعاقب الناس , وكل منطقة تدخلها تغذي التناقضات , وتحولها لحلبة صراع قديم جديد , صراع محكوم براعي وحوله كلابه التي يطلقها لتنهش أجساد وعقول ترفض الوصاية. 

  العنف اليوم هو الخطيئة التي تبرر لكل الجرائم التي تحدث , وتشعل كل النيران التي تلتهم ما تبقى من وطن وعلاقات ودولة , إذا توقف العنف , ستتوقف الحرب , وسيعود الناس لطاولة حوار , يمكن أن ترمم ما أتلفه الزمن من علاقات وشراكة وحب وتسامح وتوافق على وطن يستوعبنا , ودولة محترمة تأوينا وتضبط إيقاع حياتنا .

  العنف هو البيئة الخصبة لتنامي الإرهاب , والتدهور الاقتصادي والمعيشي هو الدافع للتوظيف الإرهابي , والتوظيف المضاد , هو مصدر الارتهان والتبعية لقوى لا تريد للوطن الخير , وتشعل الفتن ما ظهر منها وما بطن , فهل نعي حجم الكارثة التي نحن فيها ويتوقف العنف , ونعود لجادة الصواب , ويبقى الوطن اغلى من كل أوهام الصراع على السلطة والثروة , وقتل الانسان لأخيه الإنسان.


  *المقال خاص بالمهرية نت