آخر الأخبار
عدن ومآلات العنف
حقيقة يجب أن تستوعبها قوى العنف , أن ما تمتلكه من قوة مسلحة , لا يعطيها الحق أن تكون وصية على الناس، وكل من وأن الناس بمختلف أعراقهم وطوائفهم ومشاربه السياسية والفكرية , لهم إرادتهم الحرة في الاختيار , الإفراط بالعنف لن يغير تلك الإرادة , بل يسعى لفرض أمر واقع , يتعارض مع إرادة بعض الناس , مما يضطرهم لمقاومة هذا الفرض , ويحدث عنف مضاد , وبالتالي يجر المجتمع والناس لصراعات سلبية , وتناحر واقتتال , لا يحمد عقباه .
هل خطر في بال البعض أن يتساءل على ماذا تقاتلنا ولا زلنا نتقاتل إلى اليوم ؟ قتال للسيطرة على مدينة عدن , ومن حينها فقدت مدينة عدن الكثير , فقدت خصوصيتها , كرائدة ( سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ), فقدت أهميتها كأكبر مدينة اقتصادية وتجارية في المنطقة , وثاني ميناء عالمي , فقدت روحها المدني , و تحولت لثكنات عسكرية , مختلفة الولاء ,و متباينة المصالح والأهداف , دمرت ثقافة النظام والقانون , وارست ثقافة الاستئثار بالسلطة والثروة لفئة دون غيرها , تشبع لديهم الحماس الثوري الغير واعي , وشعار عقيم ثورة ثورة لا إصلاح , كانت عدن ذاقت منه الأمرين , ولازالت تذوق من مالات العنف وقواه العفنة .
هل تدرك تلك القوى أن الوحدة والانفصال , تثير صراعات سلبية وحروب عبثية , وتفتح ثغرات للتداخلات الخارجية , و مؤامرة الأعداء , حروب لا تبقي ولا تذر , وكلما طالت , كلما زاد حجم آثارها السلبية , وما تقوم به من تغييرات خطيرة في البنية الاجتماعية والثقافية , حيث تدمر النسيج الاجتماعي , و وشائج المحبة والتسامح والتوافق والتعايش , وتراكم الثارات والضغائن , وتمزق اللحمة , وتشتت الأمة , وخاصة عندما يتربع سلطة العنف قوى أكثر تخلفا وعصبية , عندما تتخندق الناس مناطقيا وطائفيا وعقائديا وجهويا.
ولذلك تتقبل الناس التوافق على ترسيخ فكرة الدولة , مهما كان شكلها , ضعفها , تعطيهم أمل في إيقاف آلة الحرب , وتحييد أدوات العنف , يصطدم هذا التقبل بمصالح وأطماع تلك الأدوات , التي ترفض الاستسلام للتوافق والاتفاق على ترسيخ شكل من أشكال الدولة , على إعادة تموضع الكفاءات والمؤهلات , وتسيد العقل والمنطق , ليحكم و يتحكم بمصير الامة , ومصير وطن .
قوى العنف ترفض الاستسلام للتوافقات , وتعتبرها مؤامرة على تجريدها من حقها في السيطرة والتمكين , مهما قدمت تلك التوافقات من ضمانات ترسيخ نظام يقبل الجميع , ويعطي الحق للجميع في الشراكة , يبقى الحق الخاص , والانا والانانية نزعات تقاوم أي توافق , يلغي سيطرتها وتمكنها المفرض عنفا وقوة .
تبقى المشكلة في كل من يساند ويدعم قوى العنف , ويعطي لها مبررات الاستمرار , وهي مبررات أطالت حالة الحرب , التي يعرف أصحابها وداعميها ان حسمها بعيد المنال , وهل يدرك هؤلاء اثارها النفسية والمادية , واثارها على حاضر ومستقبل الامة , واثارها السلبية على الوطن والتنمية وحقوق الناس ومعيشتهم وكرامتهم , والاستحقاقات العامة الخدمية والحقوقية , التي تغيب من أهداف وبرامج قوى العنف , وهي تعبث بالحياة العامة والمال العام , وتضاعف من المعاناة والأزمات , تبتز كل ما له علاقة بمعيشة الناس وحقهم في الحياة الكريمة .
التاريخ لا يرحم , يدون كل من يقدم تنازلات للصالح العام , وكل من يتخندق حول مصالحه , ومصالح ضيقة جهوية مناطقية طائفية مقيته , مهما علت فيها الشعارات ورفعت الرايات والبهرجة الكاذبة , تبقى النتائج على الأرض هي الشواهد , التي يدونها التاريخ , حيث ينصف الحق , ويصب لعناته على كل باطل .
المقال خاص بالمهرية نت