آخر الأخبار
تجريم خطاب الكراهية وبناء السلام في رواندا: هل تمضي اليمن بنفس الطريق؟
رواندا دولة إفريقية صغيرة المساحة ومحاطة بالبحيرات وخيرات الأرض. بلد عُرفت بأبشع مجزرة مليونية دموية خلال 100 يوم، تحولت بعدها إلى بلد مستقر جاذب للسياح، وسمي ببلد الـ 1000 تل. هذه تجربة رواندا في الانتقال من مرحلة قاسية ودموية وغارقة في الثارات إلى مثال للتنمية والسلام والتسامح!
التغيير الرواندي بدأ من أفراد آمنوا بمأساة الحرب الداخلية وآثار العنصرية بين أبناء البلد الواحد ومصالح الدول الخارجية في إخلال استقرارها، فاتجهوا نحو التغيير وبناء الدولة والولاء الحقيقي للوطن والهوية الواحدة.
رفض الروانديون التصنيف العنصري باسم القبيلة والشكل البيولوجي، تخلوا عن الثارات بعد ان كان الأب يقتل طفله وزوجته وكذلك فعلت النساء! مشاهد دموية لا تُنسى بالسواطير وقوائم الموت! فكيف تخطى الروانديون أحقادهم؟!
البداية كانت بقائد ذي خطاب إنساني مدني يرافقه قانون صارم ينفذ بشكل عادل حتى على أقاربه. تضمن في خطابه القول "كل من ينتقم سيسجن و يعذب، وسننتصر على الانتقام بعدم الانتقام". قائد أنهى في خطابه الكراهية وما عززه الاستعمار الفرنسي من تقسيم الهويات، فكان الرئيس "بول كاجامه " يجمع أطفال الضحايا في فعاليات مشتركة للتآخي وزرع التسامح والمضي قدما، باعتبارهم بذرة المستقبل الذين سيزهرون بما سقيوا به.
أصبح الاهتمام بأخلاق وسلوكيات الأفراد هو اللبنة الأساس لبناء مجتمع متعافٍ من الأحقاد، واهتم بالتعليم المتساوي للجميع. كما اهتم بتوحيد فرص الحياة وتنبه للتأثير الجغرافي والتغيير البيولوجي واختلافات سيكولوجية الأفراد. كما تم القضاء على التفرقة القبلية والمناطقية والطائفية والعودة الى الحقيقة الثابتة الوحيدة وهي انتماؤهم للوطن.
"كاجامه" أبو الوطن كما سموه، هو القائد الصارم ذو الرؤية الوطنية الموحدة من خلفية عسكرية - استخباراتية، تعامل بقوة وفرض قوانين وغرامات صارمة على المخالفات والعنصرية والثأر والفساد، وتبنى رؤية حقيقية بأنه لا يمكن أن تطلب من الأيادي الخارجية التي ساهمت في الدمار والقتل والتفرقة أن تبني لك الحياة من جديد وتعيد الإعمار والتنمية وزرع بذرة التسامح بين أفراد الشعب بعد تفرقته عنصريا ومناطقيا وطائفيا !
تخلى في حكومته عن المساعدات والهيمنة الخارجية وتخلى عن أدوار جميع المنظمات الخدمية في رواندا، في مقابل عودة السفارات بشكل رسمي للعمل داخل البلاد، وأعاد رؤوس الأموال ورجال الأعمال الروانديين للاستثمار في البلد ومن ثم فتح المجال للاستثمارات الخارجية ضمن تسهيلات تعود بالفائدة لرواندا أولا.
دور المرأة في روندا هو الأبرز، إذ كانت الفئة الأشد ضررا في كل النزاعات وهي من تدفع الثمن الأغلى في الحروب! ولن أسرد كثيرا عن تجارب المرأة الرواندية وما تعرضت له قبل الحرب وأثناءها، ولكن تقلدها أغلب مناصب ومفاصل الدولة بعد الحرب دليل على نضوج المجتمع في تصالحهم مع فكرة تولي النساء الحكم، ففي البدايات نص دستور 2003 على نسبة الكوتا 30% من المناصب، ثم نافست بقدراتها وكفاءتها على حصص الرجال في البرلمان والحكومة، ووصلت نسبة النساء في البرلمان 61.3% وفقا لـ "دويتشه فيله". وتشكل الروانديات أيضا 42% من أعضاء مجلس الوزراء، و32% من أعضاء مجلس الشيوخ، و50% من القضاة، و43.5% من مقاعد مجالس المدن والمقاطعات، بحسب منظمة هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
من هذه التجربة، أرى أن أهم معايير بناء السلام في دول النزاع ومنها اليمن هي إعادة بناء السياسة وتنشئة سلوك الإنسان وحظر التفرقة بين الإثنيات العرقية.
ويجب أن نتخطى التركيز على المشاريع السياسية المطروحة والنزاعات وخطاب الكراهية المتبادل بين الأطراف والعودة إلى جوهر التغيير المدني وبناء مجتمع صحي.
قد نرى صعوبة واستحالة الوصول إلى التسامح والسلام في ظل الظروف الراهنة، ولكن لنتمعن في ظروف الدول الأكثر استقرارا وتنمية وسلاماً وقوة في أوروبا وأمريكا وإفريقيا سنلاحظ أنها الدول ذاتها التي عانت الحروب الدموية لفترة طويلة من الزمن ثم أصبحوا أنموذجا للتسامح ونبذ الكراهية والتمسك بهدف واحد وهو الوطن والإنسان.
خيرات اليمن وموقعها الإستراتيجي يجعلها واجهة للأطماع الإقليمية التي من صالحها عدم استقرار هذه الأرض، ولكن هل من مصلحة الدول الكبرى في النظام العالمي أن تبقى اليمن المشرفة على مضيق باب المندب في نزاع مستمر؟
*مقال خاص بالمهرية نت.