آخر الأخبار

حوار مع جندي

الخميس, 08 يوليو, 2021

الحقيقة المرة التي علينا الاعتراف بها ونبني عليها اختيارات الحل، أننا فشلنا منذ انتصار ثورتي سبتمبر وأكتوبر، في ترسيخ دولة محترمة، تحترم المواطنة والتعدد السياسي والفكري والنظام والقانون لإحداث عدالة اجتماعية. ولازال المستقبل مرهون بذلك الفشل، بالرهان على أدوات الماضي الجاثم على صدورنا، ولازال حبله السري يغذي شبابنا.
الرهان على الشباب هو الرهان على المستقبل، ولا مستقبل دون شباب متطلع له، شباب قادر على تجاوز عثرات ومآسي وقهر وفتن الماضي، لصنع حاضر أفضل، والولوج لمستقبل منشود، وترسيخ دولة محترمة، دولة النظام والقانون.

مجرد حديث قصير مع شاب ضحية هذا الفشل، شاب مسترخي فوق طقم عسكري ببندقيته الكلاشنكوف، وفوق رأسه م. ط، مدققا في وجوه الناس العابسة، يفرغ فضوله بالسؤال، يا حاج من فين أنت؟، كنت واقفا على بعد قصير من الطقم منتظرا أحد القادمين من الخارج، وبحوزته لي علبة علاج الضغط المعدومة في بلدي، أتوسل من حين لآخر طلب شرائها لي من خارج البلد، ومرتديا الزي العدني، فوطة طويلة وكوفية زنجباري، شده منظري، قلت له من عدن.

وبدأ التحقيق، من فين أنت بالضبط؟، قلت بالضبط من المعلا قال من فين أصلك؟، حرك لدي روح المعرفة والدراسة، للخوض في حوار يفرغ محتوى هذا الشاب، ودوافع تلك الأسئلة، كان ردي أسئلة بحث، من شبوة، وكما توقعت خاض معي حوار حول ما قال" شبوة، والإخونج أعداء القضية الجنوبية" ، وبدأ يهدد بتصفية شبوة واجتياحها، هدأت من روعته، وقلت شبوة كانت مجرد سكن موقت لوالدي القادم من مأرب، وبدأ يوجه سهامه للشمال وعرب 48، وعليهم أن يرحلوا من الجنوب، كان ردي بأني أنا من مواليد عام 1956م في عدن، وهذا لا يكفي أن أكون عدني وجنوبي، قال لا أنتم ضد الجنوب، وبرزت عقليته المتوحشة، أوقفته قائلا، اهدأ يابني لو رآني قائدك شلال، لاستقبلني بترحاب، وأخذني بالأحضان، قال ليش من تكون؟، قلت كان تلميذي في ثانوية التواهي، فتغيرت لهجته، قائلا اذهب إليه وسيكرمك، هذه هي عقلية تفكير شباب مشحون عفن الماضي، يتغذى من الحبل السري لذلك الماضي، بعداواته وفساده وبكل أنانية، مثل هكذا الشاب صعب التعويل عليه بالمستقبل، وإن لم يكن هذا النموذج هو السائد، فهناك نماذج مختلفة، ويضل هذا النموذج غير قادر على تحقيق الذات، مجرد مطية بيد أسلافهم من الفاشلين، بل وقود تحترق في صراعات ذلك الفشل المعيق للمستقبل.

مثل تلك الكائنات تتكاثر، في بيئة خصبة لتكاثرها، تتغذى من خطاب شحن وتحريض للفشل، ليسود مجتمع فاقد القدرة على التفكير، ويقبل ما يملى عليه، وإن وجدت بعض من العقول تفكر، بندرتها في هكذا مجتمع تكون شاذة ومتهمة ومنبوذة.
تلك هي المجتمعات الميتة، التي تتحول لمجموعة من الرعاع، لا تستطيع أن تعيش دون راع وكلب يخدم ذلك الراعي، وإن اضطر يستخدم العصا.

 المجتمعات الحية هي المجتمعات التي تفكر، وتملك استقلالية تحقيق الذات، وإرادة قوية، تجيب باستمرار على أسئلة الحياة، ومن الصعب إغوائها أو الكذب والتدليس عليها، أو استثمارها وتوظيفها لخدمة المستبد وعقليته الفئوية.

اليوم يسأل هؤلاء القلة بتفكير عميق، عن مؤشرات المستقبل وهم يرونها لا تلبي تطلعاتهم، بتفكيرهم يتفحصون قرارات تشكل خطرا على مستقبلهم، منذ الوهلة الأولى وهم ينبهون من خطورة التشكيل المناطقي والفئوي للقوات المسلحة، والتي فعلا تحولت لفخاخ تتفجر في وجوه المجتمع من حين لأخر، وتشكل عائق حقيقي أم ترسيخ دولة المواطنة، عائق أمام تنفيذ النظم والقوانين، وامام استقامة عود تلك الدولة بمؤسساتها وأدواتها الحقيقية، لتفرض نفسها بديل مشوه، يقدم دولة مشوهة.

واليوم نشهد مجتمع، من الصعب تشكيل رأي عام صادق ووطني مع الحق فيه، وجبهة مواجهة للباطل والدسائس والمؤامرات، مجتمع مرعوب، ومتخاذل.
فالعقول التي تفكر وتسأل لديها هدف اسمى يتفحصون مساره، لكن المستبد وأذنابه، حسموا أمرهم، لا يريدون أسئلة، بل يريدون رعاع تنفذ، لا يريدون أن يفهموا، فلوا فهموا لما استطاعوا المضي بهدفهم الخاص، وتحطيم سموا أهداف وتطلعات العقول التي تحلم وتطمح وتفكر، والله في خلقه شئون. المقال خاص بموقع المهرية نت