آخر الأخبار

عدن ومخاض فكرة الدولة المحترمة

الأحد, 23 مايو, 2021

ظلت فكرة الدولة المحترمة في اليمن (جنوبه وشماله )معاقة لعقود ما بعد الاستقلال, ومخطئ من يعتقد أن هناك دولة محترمة في الجنوب أو الشمال كانت وتم تدميرها, بل هي مجرد محاولات لفرض شكل دولة تفتقد لكثير من خصوصيات احترام حق الناس في الحياة بحرية ومساواة وعدالة اجتماعية, محاولات أمزجة سياسية, تفرض واقع يخصها لتبرهن أن مزاجها هو الحق وغيره هو الباطل, خنقت الآخر, وجعلته يرفس بكل الاتجاهات مقوما هذا الخنق, مما صنع ما نشكو منه اليوم, ونسميه بمسميات عدة, أوجدت مبرر العنف والعنف المضاد, ووفرت بيئة مثلى للغلو والعصبية والإرهاب.

هناك أسباب عديدة, يمكن تلخيصها, بغياب وعي فكرة الدولة, الوعي الذي تشكل في مخاض ثورتي سبتمبر وأكتوبر, من منطلقات المدن الحضرية ( كعدن وامتدادها الطبيعي لتعز, وبعض مناطق الحضر ), حيث تواجد مقومات هذا الوعي, من تنوع ثقافي وعرقي, من مخاض فكري وسياسي, شكل مكونات ومنظمات مجتمع مدني, جمعيات ثقافية واجتماعية ونقابات عمالية كانت النواة لتكتلات فكرية وسياسية, شكلت مخاضا نمو حركة وطنية, لإنقاذ البلد من مخالب الاستعمار في عدن, والإقطاع في المحميات, والإمامة في الشمال, والتخلف والجهل والأمية والعصبية في المناطق الغير حضرية.

بعد الثورات تكالب أعداؤها عليها واختراقها باتفاقيات وتحالفات, من المستعمر وأعوانه, هذا التكالب استهدف تلك المناطق الحضرية, وبالتالي استهدف الوعي الحضري, وضرب منابع التنوير والثقافة وفكرة الدولة المحترمة, ومكن السلطة للقوى التقليدية المثخنة عصبيات وقروية, لاستمرار التمايز الطبقي وفق العرق والسلالة, ودعم التكتلات المناطقية والطائفية, في مواجهة التكتلات الفكرية والثقافية وبالتالي السياسية, مما أحدث تصادما بين قوى الحداثة, وقوى التخلف والعصبية, وبفضل الدعم اللامحدود, استطاعت القوى التقليدية من امتلاك وسائل العنف, واعتلاء سلطة المؤسسة العسكرية, لتتحكم بالسلطة المدنية وتفرض واقع العنف والإخضاع والهيمنة, وتفكيك القوى المدنية في تلك المدن, وقتل الأفكار النيرة, ومنها فكرة الدولة المحترمة التي لازلنا ننشدها, ولم ننلها بعد.

اليوم الصراع واضح المعالم, هو صراع بين فكرة الدولة المحترمة, وبين من يدعي استعادة الدولة التي توافق مزاجه العفن, مزاج عام البلد منه لعقد من الزمن, تسلط على المؤسسة العسكرية, ويعبث بفكرة الدولة المحترمة والعلاقات, ولازال يحدث تصدعات وشروخ اجتماعية وسياسية, بل يعلن للملأ رفض الأحزاب كأدوات تنمية سياسية, من خلالها نخوض المخاض الفكري والثقافي لفكرة الدولة نفسها, المنضبط بإيقاع الديمقراطية والتعدد السياسي والنظام القانون المتوافق عليه.

 اليوم عدن لا زالت تعاني منذ الاستقلال 67م من هيمنة تلك القوى التقليدية المتخلفة المثخنة بالعصبيات, لا يغرنك الشعارات ولا الرايات, العبرة بالعقول والأعمال, بالمنظومة الثقافية والأخلاقية التي تتحلى بها تلك القوى, التي لازالت تصر أن عدن هي منصة حرب وصراع دامي من أجل السلطة والثروة, ولازالت ترفض حق عدن ككيان جغرافي وثقافي ومجتمعي, عدن كمدينة مدنية وحضرية, لها خصوصيات تاريخية تتمثل في شواهدها ومعالمها التي تندثر ويعبث بها, وخصوصية ثقافية واجتماعية كمجتمع متعايش يحتوي كل الأطياف والأعراق والثقافات والأيديولوجيات منضبط بإيقاع الوعي (الكوسموبوليتي ) الذي يعيد صياغة العلاقات وطريق التعامل بينهما وعملهما بحيث لا ضرر ولا ضرار.
وخصوصية اقتصادية, كنقطة وصل تربط بين تجارة العالم, وبالتالي هي منطقة اقتصادية مفتوحة للعالم ومنفتحة له, تلتزم بضوابط المناطق الاقتصادية كالاستقرار وضمان الحقوق العامة والخاصة وتوفير مقومات الاستثمار, والأمن والأمان, منضبطة بإيقاع الدولة المحترمة.

كل هذه الخصوصيات يعبث بها, وعدن تقاوم, هناك من يدرك حجم المؤامرة ويتصدى, البعض هائم بشعارات لا يدرك حجم ما تعانيه عدن وهي تخسر كل يوم أكثر وأكثر, خسرت أشرف وأطهر أبنائها, خسرت مكانتها ومقوماتها, خسرت مخططها الحضري وديمغرافيتها الجميلة وأيقونتها وفسيفساؤها الاجتماعية الجميلة, خسرت وهي اليوم تغزوها القرية والتخلف والجهل والعصبية والنعرات والكراهية, والنتيجة واضحة للأعيان, والبعض مسحور بوهم الشعارات ومدينته تغرق بالإهمال وتتحول لركام من بقايا مدينة, قال عنها الأولين حكايات وقصص التجارة والحضارة, وكل جديد عرفته عدن قبل يصل لتلك الأحراش التي تتآمر على عدن وتروج للأوهام لقطيع من الواهمين.
المقال خاص بموقع المهرية نت

 

اليمن ولقمة الخانوق
الاربعاء, 24 أبريل, 2024
معركتنا مع القوى العفنة
الإثنين, 15 أبريل, 2024