آخر الأخبار

الأمومة والطفولة في مأرب..مراكز صحية تشكو الازدحام في ظل النزوح المستمر

يواجه القطاع الصحي المهترئ في مأرب ضغطاً كبيراً مع زيادة أعداد النازحين

يواجه القطاع الصحي المهترئ في مأرب ضغطاً كبيراً مع زيادة أعداد النازحين

المهرية نت - مأرب - خاص
الثلاثاء, 17 نوفمبر, 2020 - 05:20 مساءً

لو قُدر لطفلك أن يتعرض لوعكة صحية لا سمح الله، وقررت أن تتوجه به إلى الطبيب في أحد المراكز الصحية الخاصة بالأمومة والطفولة القريبة من مخيم النزوح الذي تعيش فيه بمأرب، فإن الاحتمال الأكبر أنك ستقضي يوماً كاملاً في انتظار أن يأتي دورك للدخول إلى الطبيب، أو أنك ستضطر للذهاب بطفلك إلى أقرب صيدلية وأخذ بعض المسكنات.

 

لن تستطيع أن تتصور حجم المعاناة التي يعيشها الناس في محافظة مأرب وأنت فقط تقرأ هذا التقرير..لكننا سنحاول أن نبسط لك الوضع ونرسم صورة في مخيلتك لواقع المشهد:

 

في الانتظار

يجلس الزبير السالمي النازح من محافظة ذمار على دَرَجِ مدخل مستشفى الشهيد هائل للأمومة والطفولة بمدينة مأرب، بعد أن ضاقت كراسي الانتظار بالأعداد الكبيرة للمرضى ومرافقيهم، ينتظر منذ السابعة صباحاً عله يقابل طبيب الأطفال كي يشرح له وضع طفلته التي لا يتجاوز عمرها أسبوعًا واحدًا وحتى يعرف سبب بكاءها المستمر، ورغم حضوره المبكر ومضي ثلاث ساعات على انتظاره، إلا أن دوره لم يحن بعد..

 

يقول السالمي في حديثه لـ"المهرية نت": "أخبروني أن الطبيب يختبر الممرضين الذين يأتون للتدرب، يتركون العشرات من الأطفال وعائلاتهم وينشغلون بالطلاب، في وقت الدوام، لماذا لا يكون التدريب خارج وقت الدوام..لماذا يتركونا ننتظر هكذا؟!".

 

ويضيف: "أعطيت أوراقي للمناوب أمام باب عيادة الطبيب لكن حتى الآن لم يحن دوري وأعتقد أنني سأعود للمنزل دون فائدة، فالساعة الآن الحادية عشرة وسينتهي الدوام في تمام الثانية عشرة". 

 

وحول الخدمات التي يقدمها المستشفى يقول السالمي: "خدماتهم جيدة، لكن الضغط كبير والإقبال واسع جداً، وهذا يجعل من الصعب استيعاب الأعداد الكبيرة المنتظرة، كما أننا في زمن انتشار الفيروسات والأوبئة وبسبب هذا الازدحام قد تعود إلى المنزل بأمراض أخرى. المبنى غير مؤهل ولا يتسع لكل هذه الأعداد".

 

سألنا السالمي عن سبب عدم ذهابه إلى مستشفى أو عيادة خاصة أجاب باقتضاب: "الحالة لا تسمح والظروف صعبة".

 

مساحات محدودة

حينما التقينا بالدكتور علي السعيدي مدير المستشفى، لم يكن لديه مكتب يستضيفنا فيه، وبعد جولة سريعة في أرجاء المستشفى الصغير طلب من إحدى الممرضات أن تسمح لنا بالجلوس على كرسيها حتى نفرغ من حوارنا.

 

قال إن المكتب ليس أولوية في هذه المرحلة، "نريد أن نستغل المساحات لعمل الأطباء ولاستقبال المرضى".

 

يقول السعيدي في تصريح خاص لـ"المهرية نت": "لدينا أخصائي أطفال وأخصائية نساء وولادة، كل واحد منهم يستقبل ما يقارب 70 حالة يومياً، وهذا العدد بالطبع يفوق طاقتهم، ولدينا ستة أطباء عموم..والكادر بشكل عام يصل إلى 100 شخص ما بين أخصائيين وطبيب عام وفنيين وإداريين، حاولنا إضافة أخصائيين آخرين لكن المشكلة في عدم توفر الموازنة الكافية، نحن نعتمد على المنظمات بنسبة كبيرة فهي من تدفع الحافز الشهري لمائة موظف، أما بالنسبة للموازنة فهي موازنة صفرية تبلغ 400 ألف ريال شهرياً، وهذه موازنة ما قبل حرب 2014م، لا تكفي شيئا، كما أن الدخل الذي نحصل عليه من المترددين على المستشفى دخل مخفض، فضلاً عن أن الكثيرين يأتون إلينا وليس لديهم قيمة العلاج أو لا يستطيعون دفع تكاليفه، فنضطر لإعفاء بعض الأسرة المعدمة".

 

ويضيف: "على الرغم من أن اسمه مستشفى لكنه يعامل من قبل الجهات المعنية معاملة مركز صحي أو أقل من مستشفى ريفي، رغم قرار ترفيعه إلى مستشفى خاص بالأمومة والطفولة الذي صدر عام 2016، ولولا المنظمات وتدخلاتها لما استطعنا الاستمرار لشهر واحد".

 

طريق مسدود

حول دعم السلطات المحلية في المحافظة يقول السعيدي: "طالبنا السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ سلطان العرادة، وإلى الآن لم نرَ تجاوبًا من ناحية النفقات التشغيلية الاستثنائية، صحيح أن المعني بالنفقات ورفع الموازنة هي وزارتي الصحة المالية، لكننا نطالب الآن السلطات المحلية بمأرب بنفقات تشغيلية استثنائية من أي باب، أما أن ننتظر هكذا بدون موازنة، فأعتقد أننا سنصل إلى طريق مسدود".

 

وبحسب مدير عام مستشفى الشهيد هايل فإن عدد عمليات الولادة الطبيعية التي أجريت خلال الثلاثة أشهر الأخيرة (أكتوبر وسبتمبر ونوفمبر) بلغت 450 حالة،  كما أن عدد العمليات القيصرية وصلت إلى ما يقرب 150 عملية، "ومع هذا الإقبال الكبير والأعداد الهائلة بالمقارنة مع إمكانيات المستشفى لا توجد لدى المستشفى عناية مركزة، ويحتاج أخصائي عناية مركزة وأخصائي باطنية..، ويضيف: ولو أننا جئنا بهم ووفرنا لهم الحافز سندخل في إشكالية أخرى وهي السكن".

ورغم التدخل الإيجابي للمنظمات فيما يتعلق بالحوافز للكادر الطبي والأجهزة والمعدات والمنظفات إلا أن الدعم لا يكاد تغطي 35% من حجم الإقبال الكبير على المستشفى.

 

وحينما نقلنا شكوى السالمي للدكتور السعيدي عن ارتفاع تكاليف الفحوصات بالمقارنة مع فترات سابقة يقول : "أسعارنا بناء على لائحة مكتب الصحة العامة، نحن لم نأت بتسعيرة بأنفسنا بل إننا نطالب مكتب الصحة برفع 40% فوق التسعيرة الحالية نتيجة لارتفاع الدولار لكننا لا نريد أن نفاقم الأعباء على المواطنين، نرجو أن توجد لنا موازنة نستطيع من خلالها مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة مثل مرضى الثلاسيميا، فالفحوصات لهم مجانية وأشياء كثيرة نقدمها مجانية".

 

مع زيادة أعداد النازحين وتدفقهم المستمر تستمر الحاجة لدعم القطاع الصحي المهترئ أصلاً منذ ما قبل الحرب، فمدينة مثل مأرب لم تكن تتوافر إلا على عدد محدود جداً من المستشفيات والمرافق الصحية كما أن الكثير من أبناء المحافظة كانوا يلجئون لمدن أخرى قريبة لإجراء أبسط العمليات.

 

ورغم افتتاح بعض الأقسام الجديدة واستحداث خدمات طبية متنوعة، إلا أنها لا تكفي بالمقارنة مع الأعداد الهائلة للنازحين الذين تقدر السلطات المحلية أعدادهم بثلاثة ملايين نازح، ومع استمرار الحرب في المحافظة فإن المأساة تتفاقم بمرور الوقت.

 

سوء التغذية الحاد

طاف بنا الدكتور السعيدي على قسم سوء التغذية الذي افتتح مؤخراً من قبل منظمة الصحة العالمية حيث التقينا بأم سلمى من محافظ شبوة التي تعاني ابنتها ذات الثلاثة أعوام من سوء التغذية الحاد.

 

ورغم الحالة الصعبة التي تعيشها، إلا أن القسم يؤدي خدمات جيدة، تقول الأم، وقد تحسنت ابنتها بالمقارنة مع وضعها في الأيام الماضية.

 

يحتضن قسم معالجة سوء التغذية الحاد الممول من منظمة الصحة العالمية  8 أطفال وهذا – بحسب مدير المستشفى - مؤشر خطير على سوء الأوضاع التي يعانيها النازحون.

يعلّق السعيدي الأمل على الإنشاءات الجارية في الدور الثاني للمشفى الذي تكفلت السلطة المحلية بالمديرية بدعمه، "فهذا سيسهم في التخفيف من الضغط الحاصل وسيوفر لنا إمكانية لتوسيع خدماتنا في المستقبل، كما أن هناك نوايا لبناء مبنى إضافي نأمل أن يتم إنجازه خلال العام المقبل ليصبح المستشفى وجهة لكل أم وطفل لتقديم كل ما يتعلق برعايتهم الصحية، وحتى استكمال هذه الإنشاءات نكرر مطالبتنا السلطات المحلية توفير الدعم والنفقات التشغيلية العاجلة للمستشفى حتى يستمر في خدماته".

 

 دولة لا تكترث

أحمد العبّادي نائب مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان في المحافظة تحدث لـ"المهرية نت" حول مشاكل النازحين ومعاناة النساء والأطفال فيقول: "حتى اليوم لا نستطيع أن نقول إن هناك مستشفى متكامل خاص بأمراض الأمومة والطفولة في محافظة مأرب، حتى بالنسبة لمستشفى الشهيد هايل فإنه لا يتوافر على المعايير المطلوبة".

 

ويضيف العبّادي: "هناك أقسام في بعض المستشفيات تعنى بالأمومة والطفولة في مستشفى كرى العام وفي مستشفى حريب والعطير وهناك قسم في مستشفى الجوبة لكنها لا تفي باحتياجات النازحين".

 

وينتقد العبادي تقاعس الحكومة ممثلة بوزارة الصحة عن تقديم الخدمات للمحافظة رغم الأعداد الهائلة من النازحين فمن تصل إليهم الخدمات الصحية والرعاية الأولية لا يتجاوزون 18% من مجموع السكان والنازحين في مأرب، "هناك فقط دعم لحظي ومؤقت من بعض المنظمات لا يتناسب مع التحديات الكبيرة التي نواجهها في المكتب".

 

كما أن هناك عددًا محدودًا من النقاط الصحية داخل المخيمات الكبيرة تدعمها عدد من المنظمات مثل منظمة الهجرة الدولية، وهناك فرق متنقلة بين المخيمات لكنها بحسب العبّادي لا تضمن خدمة صحية مستدامة للأطفال والأمهات داخل المخيمات.  كما عمل مكتب الصحة على تقسيم المحافظة إلى 46 مربعًا صحيًا بحيث يتكفل كل طبيب يتواجد في كل مربع بتقديم خدمات الرعاية الأولية.

 

وتشكو ملايين الأسر من عدم حصول معيليها على مرتباتهم وانعكاس ذلك على وضعها المعيشي والصحي، ومع استمرار تدفق النازحين يحذر العبادي من انتشار أمراض كانت قد اختفت: "مثل البلهارسيا وحمى الضنك والملاريا، كما أن هناك بعض الأطفال يموتون لأنهم لا يجدون حضانات كافية".


تعليقات
square-white المزيد في محلي