آخر الأخبار
حكاية السيف السقطري
كما اتخذ الإنسان العربي قديماً السيف رفيقاً له في حله وترحاله هكذا الإنسان السقطري عامة والرجل خاصة اتخذ السكين رفيقه في دربه يقضي به شؤون حياته اليومية، وهذا السكين لا يفرق عن السيف إلا في الحجم قليلاً ولا يعني ذلك أنه لم يستطع صناعة السيوف أو لم يجد وسيلة في الحصول عليها، ولكن لأن حياته سلمية قلما يحصل فيها مبارزة أو قتال ولذلك اتخذ السكين لتقوم مقام السيف وهناك قبائل محددة وأسر سلطانية تسلحت بـ(الشكو) وهو نوع من أنواع السيوف.
منذ الصغر يتم تدريب الطفل على التعلق بالسكين وحبها وكيفية الاهتمام بها ويمنح سكيناً غير حاد يتدرب على استخدامها في حياته ويدرب على شحذها وتسنينها فيبحث عن الأحجار المناسبة لذلك وغالباً ما تكون أحجار حمراء أو سوداء ملساء وعندما يصل إلى الفتوة ويشتد عوده ويعتمد على نفسه يذهب إلى الحداد ويشترى له سكيناً ويختار بنفسه نوعية حديدها وألوان نصلها والعلامات المميزة لها أو يعطيه والده من مدخراته السابقة ويبدأ بعد ذلك بتعلم الذبح وشؤون الحياة الأخرى.
ونظرا لأهمية السكين لدى الرجل السقطري ربطه بكثير من الأقوال والعادات والاهتمامات فقد تعوذ بالله من السكين غير الحاد قائلاً (عوذ بالله من صاره جلاهه) ومعنى صاره سكين وجلاهه أي سكيناً غير حاد، واعتبر ذلك من علامات الشقاء، ويعد الرجل الذي لا يملك سكينا جميلا وحادا منقصة في حقه فضلا عن الذي لا يملك سكينا فلا يتعد به في الرجال ويعتبر ذيلا لا يستشار ولا يؤخذ برأيه. كما ارتبط السكين بدعواتهم للمحنة بالسكين الغير حاد وللهلاك بالسكين الحاد.
ولا بد أن ترافق الرجل سكاكينه في كل رحلاته وقد حكى لنا عن بعضهم أنه سافر بها ومنهم من راح بها إلى الحج ، حكى أحدهم أنه ذهب يبحث عن جملا له فوجد امرأة ترعى خراف لها فاتجه إليها وسألها عن جمله وفي هذا الأثناء لدغ ثعبان إحدى الخراف قال فطلبت مني أن أذبح الخروف فقلت لها ليس عندي سكين فأخرجت من قفها سكيناً حاداً وناولتني فذبحت الخراف ولكنها وبختني بكلمات جارحة مفادها أنه الأصل أن يكون امرأة كونه لا يملك سكيناً. والقصص في هذا المجال كثيرة.
والسكين السقطري عبارة عن حديدة يصنع لها مقبع من قرون الأغنام أو التيوس والوعول إن وجدت وتربت عليه صفائح من المعدن وتذهن بالسمن البلدي ويصنع لها غمد من جلود المواشي.
وللسكين السقطري أسماء وصفات محددة وغالباً ما تكون في حوزة الرجل ثلاثة سكاكين يجمعها غمد واحد فيه ثلاث خانات لكل منها ويحملها الرجل على جنبه كما يحمل العربي سيفه، وفيما يأتي نذكر أسماء السكاكين الثلاث وصفاتها واستعمالاتها:
السكين الأول تسمى: (الموص): وهو سكين صغير لا يتجاوز طوله حجم قبضة اليد ولا بد أن يكون خفيفاً وحاداً جداً ومن استعمالاته الحلاقة والختان ولتخصية ذكور الحيوانات. ومن مهارات البعض أنه يستخدم الموص في العمليات الصغرى كقطع اللوزتين واستخراج ما يلصق بالعين من الأشياء الدقيقة جداً، ويولد بها المواشي أو العمليات الكبرى كتقطيع الأجنة الميتة العالقة في أرحام المواشي واستخراج السرطانيات من الجسم وغير ذلك.
السكين الثاني: تسمى(رحابه): وهو سكين عريض يفوق طول الموص ضعفين قد يصل طوله كنز اليد وهو حاد ومزركش النصل بالصفائح المعدنية، ومن استعمالاته ذبح المواشي وقص أعذاق النخيل وتقطيع قراب التمور وقطع أوصال اللحم إلى قطع صغيره كما هي العادة عند تقديم اللحم في الوجبات، وجز صوف المواشي وغير ذلك من الاستعمالات المتوسطة في الحياة اليومية.
السكين الثالث: يسمى (حنجهر) وتسمى أيضاً(صاره): و طوله قد يصل ذراع أو قريب من ذلك، ومن استعمالاته تقطيع العظام وفصل الجماجم، وتصفيد النخيل وقطع الأشجار والاحتطاب والتعليف وقد يستعمل للتهديد عند المنازعات وبالرغم أنه لا توجد حالات كثيرة للقتل العمد إلا أن هناك حالات ناذرة تم فيها القتل بواسطة السكين وكثير ما يحصل الضرب والطعن بالسكين وغير ذلك.
ومن معتقداتهم أنه لا بد أن يكون في أعلى هذه السكاكين حزتين وهما علامة التحليل أو كما يسمونها الحلال والحرام وكأنها تعويذه قبليه لكل ما يقطع بهذا السكين، ومن ذلك أنها تستخدم(معفق) وهي من وسائل الحجر فإذا ترك الرجل سكينه على شيء لا يمكن لغيره أن يمسه.
وهناك أنواعاً أخرى غير ما ذكر أعلاه منها: (رامي) أو (ملبد) وهو شبيه السيف لكنه ثقيل وغليظ الحديد. و(عاطر): ويكون عريضاً وثقيلا، وهو ما يسمى بالساطور. وأصغر الأنواع: (مقرض) يستخدم في جز صوف الضأن، وقريب منه (مشطف) ويستخدم في تقطيع ثمار النخيل إلى نصفين وهي إحدى وسائل التنضيج.
المقال خاص بالمهرية نت