آخر الأخبار

حكايات تشبه السحر والكهانة في حقيقتها إلهام رباني

الاربعاء, 06 أبريل, 2022

من الحوادث القديمة التي تحمل في طياتها أحداث ما يشبه المعجزة، أو بلغة الصوفية اليوم الكرامات والمنح يفسرها البعض بهذا التفسير، والبعض الآخر يفسرها بالسحر والشعوذة وهي في حقيقتها إلهام من الله يهبه للمؤمنين رجالا ونساء وليس شرطا أن يكون هؤلاء علماء أو وعاظا أو نساكا بل قد تحصل من ضعفة الناس وأقلهم علماً عندما يقع عليهم ظلم أو تعوزهم القوة.
 
وهنا أذكر حادثتين وقعتا في سقطرى إحداهما في الزمن الماضي والأخرى في الحاضر، الأولى حكاية رجل أعمى يدعى تدمر، اشتهر في الجهة الغربية من الجزيرة أنه كان شديد التعلق بأغنامه، كما أشتهر أنه لا يجرؤ أحد على سرقة أغنامه في وقت انتشرت فيه السرقة نتيجة للجوع الجاثم على الناس، وقد حاول البعض التخفي منه والبعد عن ناظريه لكنه سرعان ما يتعرف على السارق ويتبع أثره فيهتدي إلى موقعه، وكأنه أوحي إليه بموقعه، وليس ذلك سحرا أو علم غيب، بل إلهام من ربه حيث أنه يتوقع أن يكون الفاعل فلان وقلما يخطئ في توقعه.
 
وفي يوم من الأيام قام بعض الأولاد بالتخفي الشديد حتى تمكنوا من سرقة خمس أغنام من حظيرته، وعندما قالوا له عن ذلك أخذ يفكر قليلاً ثم قال لعياله خذوني إلى المكان الفلاني، وفعلا اهتدى إلى مكان حفظ الأغنام الخمسة فقال له أولاده دعنا نأخذها قال لا ولكن اختبئوا حتى يحين موعد العشاء وجلس يراقب ما يفعل هؤلاء السرق، وعند حلول الوقت رأوهم يأخذون غنمه ويذبحونها ومن ثم دعوا والدهم إلى العشاء فسأل الوالد الأبناء من أين جلبتم هذا اللحم فقالوا له كل واطمئن من الصعب جداً أن يكون لاحظنا أحد أو عرف بمكاننا، كونهم قطعوا مسافة طويلة جداً فقال والدهم بلغته السقطرية (لاتان ولحناكن لابن إلا تدمر) بمعنى سوف آكل واتهنى إذا ما كانت حق تدمر، حينها سلم عليهم تدمر وقال(وتدمر إل براحق) بمعنى وتدمر ليس ببعيد، وقال كلوا ما قد ذبحتم ولكن عاهدوني ألا تعودوا على الاعتداء على أغنامي فعاهدوه هذه.
 
كما حصل أيضا أنه أخذ عليه أحد إخوانه غنمة، ودخل بها البحر، واصطاد سمك كثير ووضع اللحم في أسفل السلة وطرح الصيد من الأعلى ووضع صيداً كثير في أماكن عدة في القارب وعندما عاد إلى الساحل وجد أخوه تدمر بانتظاره على غير عادته فسأله ما الذي جاء بك اليوم؟ فقال اشتقت للصيد فقال تفضل خذ لك الصيد كثير فقال ما أريد إلا من الموضوع في السلة دعني انقي نفسي وأقبل على السلة وسكب كل الصيد إلى الأرض وخرج جلد الغنمة وانتثر اللحم في أرضية القارب، ومن ثم خاطبه بقوله أوصيك أغنامي لا عاد تلمسها.
 
أما القصة الثانية التي وقعت في العهد الحاضر خلال العقد الأول من الألفية، فقد كانت مع رجل من خارج سقطرى كان يعمل سائق بوزة ماء في الشركات في سقطرى، وحصل أن تقدمت امرأة بطلب بوزة ماء وتم الصرف لها من قبل إدارة  الشركة، ولكن عليها أن تنتظر دورها بعد عشرين يوما، وبعد انقضاء المدة جاءت وأمر أحد السائقين بإيصال حمولة الماء لها، أخذها السائق وعندما وصل قريبا من بيتها رفض الدخول إلى مكان البركة بحجة وعورة الطريق، وذهب إلى امرأة أخرى في منطقة مجاورة كانت تمدحه وتقدم له الهدايا، وعندما أفرغ حمولة الماء في البركة انفجرت البركة وأصيب الرجل بصرع فقد كان يتخيل دوما أن امرأة تناديه فإذا التفت ناحية الصوت لم يجد أحداً، وخرج إلى عدن للعلاج وبعد ما شفي رجع إلى سقطرى فعاد المرض وكلما سافر يذهب وإذا رجع سقطرى يعود عليه المرض فقرر الأطباء عليه عدم العودة إلى سقطرى.
 
وهاتان القصتان فيض من غيض، فهناك الكثير والكثير لا يتسع المجال لذكره، وقد تعمدت سرد القصتين دون اختصار لبيان أن ما يتردد على كثير من ألسنة خارج الجزيرة، أن هذا ليس من قبيل السحر أو الشعوذة بل دعوة مظلوم أغرى الظلمة جهل الناس، ومسكنتهم وحسن نواياهم فيظلمونهم وحينها يلهجون إلى ربهم بدعوات صادقة وتأتي الاستجابة كأنها معجزة فيسرد حكاياتها الناس وكأنه نوع من السحر والكهانة.