آخر الأخبار
"جميعنا سنعبر إلى الغد" أو هو برنامج "عبور"
حين يخلُقُ النصَّ أديب كبير ومثقف موسوعي كالدكتور خالد بريه، سيتراجع الجميع عن الكاميرا، سيظلُّ المتن حمولة ثقيلة، لن يقتحم العقبة إلَّا أديب آخر وشابٌّ مقتدر كالسيد عيسى عبد الواسع. لقد وقف أمام نصٍّ فخيمٍ خارج عن المألوف، ومليءٍ بالعُقَد الفكرية، فاضطلع بمشقة الأداء، وها هو يمخر به عباب التحدي وأمواجه العنيفة.
قرَّر الشَّابَّان أن يَكسِرا كلَّ الأنماط التقليديَّة التي اعتادها المتلقي اليمني، فارتفعا إلى معالجة تكافئ نمو الحاسَّة النقدية لدى المشاهد بل قد تتجاوزها بعدة مراحل.
جال الأديب البحَّاثة بفكره في أنحاء المجتمع اليمني، لقد طوَّف كل بقعة من بقاعه، وعاين مشكلاته وآلامه ومواجعه، ثمَّ أدار قلمًا من العُود والكافور، فخَلَقَ نصًّا عاليَ اللُّغة، لا تنقاد له مثل هذه المعالجة في العادة، لكنَّه عَبَرَ التحدي عبور الكِبار، فطَوَّعَ كلَّ فكرة من أفكار النص ببيانه الرفيع، وحَشَدَ في المتن ملحوظاتٍ دقيقةً عن الحياة الاجتماعية ومشكلاتها في اليمن ثُمَّ انساب في نَسَقٍ متساوِقٍ يعالج تلك الظواهر بطرح متدرِّج وذكيٍّ حتَّى خلص إلى خاتمةٍ كأنما قُدَّتْ من أديم الجمال والبلاغة.
أمام الكاميرا وقف شابٌّ، كأنَّ تضاريس اليمن منحوتةٌ في سحنات وجهه، صوتٌ ريفيٌّ له رَنَّةٌ أليمة، نشيج مبحوحٌ كأصواتنا الدامية المضرجة بالجراح. إنه الصوت الوحيد الذي يلامس شِغافَ قلوبنا وينفذ إلى أعماقنا المدثَّرة بالمآسي، نبرة يمانية خالصة مغايرة لنبرات (جمهرة) الإعلاميين المصنوعة والمقيدة بالرسميات الجافة.
وقف عيسى أمام نص يحتاج إلى مِرانٍ طويل وشجاعة كبيرة، فاجتاحه باقتدار ونفخ كل أرواحه في أرجائه ومطاويه.
أداء رشيق يمثل بساطة اليمني وخِفَّة روحه وبهاء حضوره وتألقه. لقد انسجم مع النَّص وتناغم مع أجزائه الطويلة وتنقَّل بين تفاصيله الكثيرة، رغم أنه وجه إعلاميٌّ جديد وشابٌّ في طليعة التَّجرِبة والحياة.
تفرغ من مشاهدة البرنامج، وقد انبعث في نفسك شيء جديد، ستشعر أنَّ يدًا ما كانت تُرَمِّمُ ثُلَمًا في روحك، وتَرْأَبُ صدوعًا كثيرةً في جدران الضمير والإحساس، ستأخذ نفَسًا عميقًا وتُقرِّر (العبور) مع السائرين نحو الغد.