آخر الأخبار
قصة مثل سقطري
ترتبط كثير من الأمثال السقطرية بأحداث وقصص واقعية أو متخيلة وغالبا ما تصاغ هذه الأمثال على شكل مقطوعات شعرية أو كما يسميها السقطريون قصيدة أو (توتيؤه) يعني حكاية، وفضلا عن كون المثل أحد أنواع السرد(النثر) فإنه يرتبط عادة بجانبين من جوانب السرد هما القصة والقصيدة مما يجعله يشكل إيقاعا خاصا يطرب المتلقي ويتشوق لسماعه ويبحث عن خلفياته.
والمثل السقطري لا يختلف عن تراكيب المثل العربي وأدواته فكل منهما له مميزات إيقاعية لا يتأتى لكل أحد قوله إلا للأذكياء من الناس وكما هو معروف في تعريف المثل بأنه: قول موجز أو قصة شعرية موجزة تحكي أحداثا واقعية أو متخيلة فإن هذا ما يميز المثل السقطري عن غيره من فنون الأدب الأخرى.
ونظرًا لقلة الاهتمام بالتدوين في سقطرى منذ عهود قديمة فإن هذه الأمثال تتوارث من الأجيال الماضية إلى اللاحقة مشافهة يتناقلها جيلا بعد آخر بغية المسامرة أو الاستدلال على واقعة حديثة تقارن بواقعة سابقة فسيحضرون المثل للدلالة على المماثلة والمشابهة وقد تستدعى الأمثال للتأديب والتوجيه والنصح.
ولا ينحصر قول المثل بعهد دون آخر فما زال الأديب والحكيم السقطري ينتج أمثالًا تتناقلها الأجيال ويستشهد بها في الأحداث المشابهة إلى هذا الحين. كما أن للمثل السقطري علاقة وطيدة بالمثل العربي ليس في الإيقاع أو الميزات كما ذكرنا فحسب بل أيضاً في القصة المصاحبة فقد تتشابه فكرة القصص والأحداث المصاحبة للمثل السقطري مع المثل العربي ولكن يصاغ المثل السقطري وتوابعه وخلفياته بقالبه الخاص ولغته الخاصة ولن يفي هنا المجال بحصر هذه الأمثال أو بيان تناصها مع غيرها؛ لذلك نكتفي بمثل واحد نبين معناه وارتباطه بمثيله من الأمثال العربية وهو قولهم:(ليحرف عش بعاشا حيوت إلا شاكن وهوه ال ألو قيطنس قرارى لعتت من مراشي).
وقبل سرد قصة المثل نبين المعنى اللغوي للمثل كالآتي ليحرف: ليخلف عاش( زوج) والمعنى الحرفي هنا وعاش أو عاج بلغة الشرق تعني رجل وهي كلمة عربية جنوبية تدل على جنس الذكر والمؤنث يضاف ها فيقال عاشه أي امرأة.
والمراد ليستبدل الزوج بزوج آخر ومعنى حيوات ـ وهي كلمة عربية أيضا ـ تعني جمع حياة، و (أل) أداة نفي، ومعنى شاكن(معكم) والمعنى العام: الحياة ليست بتصرفكم أو ليست معكم.
وقوله: (هوه) ضمير يدل على الذات بمعنى أنا .(أل) بمعنى لا، (الوقيطنس) أي لا التقطتها، (قرارى) غدا، (لعتت) يدل على الصباح الباكر وفي المعاجم العربية تفسير قريب من هذا يوحي بمعنى السرعة والتبكير والاستبدال، وقوله: (من مراشي) أي من الديار، والمقصود أني قد لا أجد في الغد الذرية لكني سأبحث عنهم في الصباح الباكر في كل الديار للدلالة على التفاني في البحث.
أما عن القصة المصاحبة للمثل والتي تناقلتها الناس ودارات في حديث المجالس فهي أن هناك ثلاثة رجال من أسرة واحدة هم (رجل متزوج وابنه وصهره) اتهموا بقضية جسيمة تستوجب عقوبة القتل فأمر السلطان بإلقاء القبض عليهم وحكم بإعدامهم وعندما علمت المرأة بشأنهم وهي أم الولد وزوجة الوالد واخت الأخر، ذهبت إلى السلطان تريد أن تشفع فيهم باكية صارخة مولولة تحاول التأثير على السلطان وجنوده لكن السلطان لم يهتم بذلك بل امتنع عن مقابلتها، لكن أحد حواشي السلطان سألها لو خيرناك في واحد منهم ونقتل الآخرين من تختاري فقالت اختار أخي فتناهى إلى السلطان تفضيل المرأة لأخيها على ابنها وزوجها فسألها مستغربا لماذا اخترت الأخ على ابنك وزوجك فقالت قولها السابق:(ليحرف عش بعاشا حيوت إلا شاكن وهوه ال ألو قيطنس قرارى لعتت من مراشي). وصار قولها مثلاً شهيرًا متداولًا في كل محفل.
وفي كتب الأدب العربي نجد قصة مشابهة حدثت من امرأة مع الخليفة الحجاج بن يوسف الثقفي عند أمر بإعدام ثلاثة رجال فرأى امرأة تبكي فسألها عن شأنها فقالت من أمرت بقتلهم هم زوجي وابني وأخي فقال لو خيرناك واحدا من الثلاثة من تختارين ففكرت قليلا ثم قالت اختار أخي فقال ولما فقالت الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود فأعجب الحجاج بقولها وعفى عن الثلاثة وصار قولها مثلا.
والحقيقة هناك الكثير من الأمثال السقطرية امتزجت بالقصة وسيقت بواسطة المقطوعات الشعرية وأغلبها استقى فكرته من التراث العربي الديني والثقافي لكنها غابت عن ساحة البحث والتفسير والتعليل والظهور إلى العلن.
وهناك بعض الجهود المشكورة في هذا المجال من بعض الباحثين الشباب ولكننا نتطلع إلى دراسات حصرية وشاملة لجميع جوانب المثل السقطري.
المقال خاص بالمهرية نت