آخر الأخبار

ماعز حمدهن (أؤز دا حمدهن) في قلب العاصفة

الأحد, 09 فبراير, 2025

كانت الرياح (ماده) تعصف بجنون فوق القمم الجبلية، تصرخ كأنها تحاول اقتلاع كل شيء يقف في وجهها.
السماء ملبدة بالغيوم الثقيلة، والليل يزحف ببطء، كوحش أسود يبتلع الأفق.
في وسط هذا المشهد، كان حمدهن يركض(يشع)، يلهث، تتعثر قدماه (يشلوجت) بين الصخور، لكنه لا يتوقف.
قبل ساعات قليلة، كان كل شيء طبيعيًا، جلس مع صديقه سالم في الساحة الوحيدة لقريتهم، يتحدثان عن الأحلام، عن السفر، عن المستقبل ... لكن فجأة، جاء الخبر الذي أشعل الخوف في قلبه: ماعزه (أؤز) الحبيبة، التي وهبها له جده منذ طفولته، ضاعت في الجبال.
لم يفكر كثيرًا، لم ينتظر الفجر، لم ينتبه حتى لتحذيرات جده (دهي ماعه) الذي قال له بصوت مرتعش: "الليلة الريح غاضبة، لا تذهب وحدك، الجبال (فدهن) ليست آمنة."
لكنه لم يسمع، لم يرَ سوى صورتها في ذهنه، تقف وحيدة وسط الظلام، مرتجفة، تائهة (عيفوة).
كانت رحلته أشبه بمطاردة للظل كلما صعد، زادت العتمة، وكلما نادى باسمها، ابتلع صوته الريح
في تلك اللحظة، شعر بالخوف الحقيقي.
لم يكن خوفًا من الظلام، بل من أن يكون وحده في هذا الكون الشاسع، بلا صوت يجيبه، بلا يد تمتد لإنقاذه.
استمر في التقدم، رغم البرد(حبهور)، رغم التعب، رغم الأشواك التي مزقت ملابسه (دهي بشول).
كان يسمع أصواتًا غريبة، همسات تتسلل مع الريح، كأن الجبل يهمس له، يحكي له قصصًا قديمة عن أولئك الذين لم يعودوا لكن قلبه كان معلقًا بشيء واحد فقط: العثور عليها (يكوسء).
ثم، فجأة، لمعت عينان في الظلام (اظهيم).
توقف قلبه للحظة، ثم أدرك أنها هي! كانت واقفة هناك، بين الصخور، تحدق به كأنها كانت تنتظره.
ركض نحوها، احتضنها وكأنه يحتضن جزءًا من طفولته، جزءًا من ذاكرته، جزءًا من روحه.
لكن العاصفة لم تكن تنتظر.
الريح ازدادت شراسة، والضباب بدأ يزحف من القمم، يخفي الطريق خلفه.
لم يكن أمامه خيار سوى النزول سريعًا، لكن الصخور كانت زلقة، والظلام يخفي الأخطار.
فجأة، انزلقت قدمه، شعر بجسده يسقط في الفراغ، لكنه تمسك بجذع شجرة متشبثة بالحافة.
كانت لحظة بين الحياة والموت، لحظة أدرك فيها هشاشته، وقوة الطبيعة التي لا ترحم ولكن واثق بأن الله يحفظه.
بصعوبة، وبألم في ذراعيه، تسلق مجددًا، وهو يتمتم بأدعية قديمة سمعها من جده.
حين وصل إلى الأرض الصلبة، شعر كأنه ولد من جديد. احتضن ماعزه، ثم بدأ رحلة العودة، وكل خطوة كانت تحمل معه درسًا جديدًا: الحب (عضنهين) قد يقودك إلى الجنون (قانع)، لكن الشجاعة وحدها هي التي تعيدك إلى الحياة.
حين عاد إلى القرية مع بزوغ الفجر، وجد الجميع في انتظاره.
كانت عيونهم مزيجًا من الغضب والفرح والدهشة.
جده لم يقل شيئًا، فقط وضع يده على كتفه، نظر في عينيه، ثم ابتسم، كأنما يقول له: الآن، أصبحت رجلًا.
من خيال الراوي/ د.أمير السقطري

* نقلاً عن حسابه في (فيسبوك)

المزيد من أمير السقطري