آخر الأخبار

تقرير: سقطرى في مواجهة غير متكافئة مع تطرف المناخ... والمصالح الدولية!

شجرة دم الأخوين

شجرة دم الأخوين

المهرية نت - متابعات
الخميس, 20 يوليو, 2023 - 10:20 مساءً

سلط تقرير نشره موقع السفير العربي للصحفي لطف الصراري الضوء على المصير المجهول الذي يواجه جزيرة سقطرى التي ظلت وحيدة بلا حماية أمام الأطماع الإقليمية والدولية، وأمام أعاصير المحيط التي يتزايد خطرها سنة بعد أخرى.

 

يقول الكاتب في التقرير إنه في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2015، التقطت كاميرا مواطن من جزيرة سقطرى مشهداً لمواطنَين آخرين في الجزيرة نفسها يفترشان رمل الشاطئ وينظران إلى كتلة عالية من الأمواج الهائجة في عرض البحر. كانت الأمواج شديدة العلو تتجه نحوهما، لكنهما لم يحركا ساكناً. أثارت الطمأنينة التي بدت على الرجلين في الصورة ردود أفعال متفاوتة بين السخرية والحدّة لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن الذين تداولوا الصورة على نطاق واسع مرفقين بها تعليقاتهم.

 

كانت تلك بوادر تشكّل أقوى إعصار استوائي ضرب مناطق شمال المحيط الهندي منذ العام 1922، بحسب دائرة الأرصاد الهندية، وأطلق عليه مراقبو الأرصاد في بنغلادش اسم "تشابالا" ويعني بلغتهم "لا يهدأ". في غضون يومين تطور "تشابالا" إلى عاصفة إعصارية شديدة القوة، وامتد تأثيره على كامل السواحل الشرقية لليمن وصولاً إلى خليج عدن. أما ضعف استشعار الخطر الذي بدا في صورة المواطنَين المطمئنَّين، فقد تحول إلى حالة فزع تجاوزت أهالي سقطرى إلى محافظتي حضرموت والمهرة، على بعد أكثر من 300 كيلومتر من الجزيرة.

 

كان "تشابالا" الموجة السادسة من أعاصير شمال المحيط الهندي لموسم 2015، وتبعه إعصاران آخران خلال الثلث الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر. تسببت الأعاصير الثلاثة في وفاة وإصابة 23 شخصاً على الأقل، وفقدان 22 آخرين معظمهم من الصيادين. كما ألحقت أضراراً جسيمة، بين التدمير الكلي والجزئي، في أكثر من سبعة آلاف منزل ومنشأة، إضافة إلى تجريف الأراضي الزراعية وتدمير التنوع النباتي جراء فيضان البحر وهطول أمطار غزيرة صاحبت ذلك المنخفض الجوي. علاوة على العواصف المدارية والاستوائية خفيفة ومتوسطة الشدة التي تعرضت لها جزر أرخبيل سقطرى خلال السنوات الثمان التالية، تعرضت أيضاً إلى إعصارين على الأقل، أحدهما "مكونو" في 2018، والثاني "بيبارجوي" في 2023.

 

نكبات مناخية متتالية للجزيرة المقدسة

 

 اكتسبت جزيرة سقطرى صفة القداسة قديماً لإنتاجها اللبان والبخور المستخدمين في المعابد، إضافة إلى تفردها بنمو شجرة "دم الأخوين" أو "دم التنين" على أراضيها. ليس ذلك وحسب، فسقطرى موئلاً لما يقارب 300 من النباتات التي لا تنمو إلا فيها. وتذكر بعض المصادر التاريخية أن الجزيرة لطالما استُخدِمت معتزلاً تعبّدياً في العصور القديمة، كما لا تزال فيها بعض الآثار التي يُعتقد أنها كانت أماكن للعبادة.

 

ظلت سقطرى بعيدة عن الحرب التي أخذت انعطافاتها الكبرى في اليمن في آذار/ مارس 2015، لكن الجزيرة لم تكن بمنأى عن الخطر التدميري للتغيرات المناخية التي تتابعت عليها منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه. على الرغم من إدخالها في خط سير الحرب منذ سنة 2017، لم تنعتق الجزيرة التي لم يعد يقدسها أحد، من حرب التطرف المناخي. ففي كل سنة، تكون الجزيرة على موعد مع منخفض جوي أو عاصفة مدارية أو إعصار، إن لم يزرها في الصيف يزرها في الخريف.

 

مطلع حزيران/ يونيو 2023، تشكّل المنخفض الجوي الذي أُطلق عليه اسم "بيبارجوي" في المحيط الهندي، ومع حلول الأسبوع الثاني من الشهر نفسه شهدت الجزيرة أمطاراً شديدة الغزارة مصحوبة برياح عالية السرعة. على مدى أسبوع كامل، تسببت الأمطار والسيول الناتجة عنها بتدمير مئات المنشآت الخاصة والعامة المحاذية للشريط الساحلي الجنوبي من الجزيرة، حسب تصريحات متداولة عن محافظ الجزيرة. تركزت الأضرار في المناطق الواقعة بين منطقتَي "مطيف" و"قعرة"، وقال المحافظ إن السيول القادمة من جبال ومرتفعات الجزيرة تسببت في تضرر الطرقات وتلف المواد الغذائية لمعظم الأسر، وبالذات في القرى القريبة من ممرات الأودية. طالت الأضرار أيضاً شبكة الكهرباء وخدمات أساسية أخرى لم تشملها تصريحات المحافظ. وكما هي عادة السلطات الحكومية في اليمن، لم تنشر أي جهة قائمة تفصيلية بالأضرار التي لا بدّ أنها طالت التنوع البيئي للجزيرة.

 

لم تسجل السلطات الحكومية خسائر بشرية في هذا الموسم، لكنها تركت مهمة "تقديم العون للمنكوبين" لـ "الجهات المانحة" والمنظمات الدولية العاملة في الشأن الإنساني. وبعد تصاعد مناشدات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لإغاثة المنكوبين، غطّت وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"- النسخة التابعة للحكومة المعترف بها دولياً - اتصالاً هاتفياً أجراه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بمحافظ سقطرى الذي أطلعه على الأضرار. بعد ذلك تتالت مناشدات المسؤولين الحكوميين لـ "الجهات المانحة" ومنظمات الإغاثة الإنسانية لتقديم المساعدة.

 

عندما يذكر المسؤولون الحكوميون جزيرة سقطرى لا يفوتهم التغنّي بتنوعها البيئي والبيولوجي، وسحر شواطئها وجبالها ووديانها. يبدو أنها طريقتهم في الترويج لاستحقاق سكان الجزيرة للمساعدة. وبينما كانت مؤسسات الإغاثة التابعة لحكومتي الإمارات والسعودية تستجيب لتلك المناشدات (على طريقتها بالمقابل)، كان مندوب اليمن لدى اليونسكو منشغلاً بمتابعة اعتماد ميزانية زهيدة من المنظمة الأممية لتنظيف آثار تسرب نفطي في أحد سواحل الجزيرة: 56 ألف دولار، تباهى بانتزاعها من اليونسكو لتنظيف تسرب نفطي تسببت به ناقلة نفط "قبل فترة" على أحد سواحل سقطرى، لأن المحاولات السابقة لتنظيف الشاطئ "لم تكن مهنية"! وعلى أهمية تنظيف التسرب النفطي المشار إليه، لم تشكّل النكبة البيئية التي عانت منها للتو الجزيرة وسكانها، أولوية لدى المندوب اليمني لدى المنظمة الأممية التي أدرجت سقطرى سنة 2008 ضمن قائمة التراث العالمي - فئة الطبيعة.

 

تجريف طبيعي وبشري

 

منذ إدخال سقطرى في خط سير الحرب، ركزت التسريبات والتقارير الإعلامية على إقدام مسؤولين إماراتيين على نقل كميات من شجرة دم الأخوين من سقطرى إلى الأراضي الإماراتية. ذلك العبث البيئي بأشهر شجرة تتميز الجزيرة باحتضانها منذ آلاف السنين، أثار سخط اليمنيين واستنكارهم، كما أدانته منظمة اليونسكو. وفي هذا الأمر تحديداً، ثمة ما يثير السخرية من محاولة نقل هذه الشجرة، فهي تفضل الموت على الحياة في تربة غير تربة الجزيرة المقدسة.

 

عملياً، تعتبر سقطرى تحت الوصاية الإماراتية، على الرغم من تسجيل السعودية حضورها في بعض جوانب التنافس على الجزيرة ومواردها المتنوعة، بيئياً، اقتصادياً وعسكرياً. تشير المعلومات الحكومية قبل الحرب إلى أن إمكانيات سقطرى لم تُستكشف بعد كما يجب، لكنها تتضمن موارد واعدة في النفط والغاز والمعادن. كما أن تُربها المتنوعة تتضمن تربة "الهيستوسول" ذات المواد العضوية، والتربة الفيضية، والتربة الحمراء، والتربة الأبريقية وغيرها.. وهي تُرب مناسبة لزراعة 25 نوعاً من نخيل التمور. من ناحية أخرى، تشير المعلومات الحكومية أيضاً إلى وجود "تنوع كبير" للشعاب المرجانية في المياه المحيطة بأرخبيل سقطرى عموماً، ويمتد هذا التنوع إلى الجزء الشمالي الغربي من خليج عدن. وتعتبر هذه المنطقة من بين أكثر المناطق البحرية إنتاجاً للشعاب المرجانية في العالم، وتقارن في إنتاجيتها بسواحل البيرو وغرب أفريقيا.

 

قبيل تشكّل إعصار "بيبارجوي" في حزيران/ يونيو الماضي، كتب ناشط من سقطرى على صفحته في "فيسبوك" أن ما سماها "سفناً تجارية" نقلت خلال أيار/ مايو وخلال الأسبوع الأول من حزيران/ يونيو، "مئات الأطنان من أحجار الشِعب المرجانية التي لفظها البحر إلى سواحل سقطرى خلال مراحل من الأعاصير وحالات المد والجزر". الناشط - واسمه عبد الله بدأهَن - توقع أن تكون وجهة تلك السفن دولة الإمارات، وأشار إلى أن السلطة المحلية السابقة في الجزيرة كانت ترفض تصدير الأحجار المرجانية، التزاماً بقرار السلطة المركزية بمنع تصديرها منذ أدرجت اليونسكو الأرخبيل ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي. لكن حدة التنافس في السيطرة على سقطرى بين اللاعبين الإقليميين (الإمارات والسعودية) والمحليين ("المجلس الانتقالي الجنوبي" و"حزب الإصلاح")، أتاحت ظهور مستثمرين محليين يشترون الأحجار المرجانية من المواطنين الذين وجدوا في ذلك فرصة لكسب المال، خاصة مع تردي الأوضاع المعيشية في الجزيرة.

 

هذا السلوك البشري المدمِّر أثار حفيظة "لجنة التراث العالمي" في اليونسكو التي طلبت المشورة من الاتحاد الدولي لصون الطبيعة بشأن الأنشطة المؤثرة سلباً على الحياة البرية والمناظر الطبيعية الفريدة في أرخبيل سقطرى. في تموز/ يوليو 2018، حثت اللجنة الحكومة اليمنية على وقف أي نشاط من هذا النوع، وطلبت منها تيسير إيفاد بعثة مشتركة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة واليونسكو إلى الموقع "لتقييم الآثار الناجمة عن التطورات غير الحكومية والتصدير غير المستدام للثروة السمكية وإدخال الأنواع غير الأصيلة إلى الجزيرة". قالت اللجنة في بيانها آنذاك إن بعثتها "إذا وجدتْ الموقع معرضاً لخطر فقدان قيمه الطبيعية الاستثنائية، بما فيها النباتات والحيوانات التي لا توجد في أي مكان آخر على هذا الكوكب، فيمكن اعتبار الموقع في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر في العام المقبل". لكن ما من بعثة دولية زارت سقطرى غير البعثات العسكرية والتجارية!

 

"تنمية" غير مسيطر عليها

 

  في ذلك البيان، قال بيتر شادي، مستشار التراث العالمي التابع للاتحاد الدولي لصون الطبيعة، إن أرخبيل سقطرى "يواجه قائمة طويلة من التحديات التي تهدد طبيعته البكر والأنواع الأيقونية فيه، فضلاً عن حياة المجتمعات المحلية التي تعتمد عليها". وأبدى استعداد الاتحاد "للعمل بالشراكة مع السلطات والجهات المعنية المختلفة على الأرض للتصدي لهذه التهديدات على وجه السرعة والمساعدة في تشكيل مستقبل يوازن بين الصون والتنمية داخل الموقع". من تلك التهديدات ما وصفه البيان بـ "التنمية غير المسيطر عليها" مثل المنتجعات الترفيهية التي تدمر الحيود المرجانية والشواطئ التي تعشش فيها السلاحف. وهناك أيضاً مصنع تصدير الأسماك الذي أُعيد فتحه لتسهيل عمليات تصدير الأسماك بطرق تضع عمليات الصيد التقليدية تحت الضغوط وتجعلها غير مجدية للسكان المحليين.

 

ووفقاً لـ "تقييم النظرة الاستشرافية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة"، فقد تعرض النظام البيئي في أرخبيل سقطرى للخلل من قبل ما سمّاها "الأنواع الغريبة"، وهي النباتات التي أُدخلت إلى الأرخبيل "من خلال ناقلات الشحن غير الخاضعة للتفتيش ونباتات الزينة الغريبة التي تمت زراعتها على جوانب الطرق". وقد يتساءل المرء هنا عن المغزى من إدخال نباتات زينة غريبة إلى شوارع وطرقات جزيرة يجري نقل نباتاتها لتزيين شوارع بلدان أخرى!

 

ويحتوي نظام سقطرى البيئي على أكثر من 800 نوع من النباتات المستوطنة فيها وتنفرد بقرابة 300 نوع لا توجد في أي مكان آخر في العالم. وإزاء التجريف الذي يتعرض له هذا النظام البيئي النادر، لا يزال مسؤولو اليونسكو منذ خمس سنوات يجددون مطالبتهم الحكومة اليمنية بتسهيل زيارة بعثة من خبراء المنظمة الأممية لتقييم "التنمية" المنفلتة في الجزيرة ميدانياً. لا يبدو أن الحكومة مهتمة بتسهيل زيارة بعثة مماثلة، كما لا يبدو أن المتنافسَين الإقليميين في الجزيرة يرغبان في زيارة بعثة بيئية في الوقت الذي يسابقان فيه الزمن لتثبيت سيطرتهما العسكرية والسياسية على الجزيرة التي باتت أشبه بطفلة فقدت والديها في الحرب. تمضي السنوات بسرعة، بينما تواجه سقطرى مصيراً مجهولاً، وحيدة وبلا حماية، أمام الأطماع الإقليمية والدولية، وأمام أعاصير المحيط التي يتزايد خطرها سنة بعد أخرى. 

لمشاهدة الرابط الأصلي من هنا 

 




تعليقات
square-white المزيد في محلي