آخر الأخبار

من الورق إلى الشاشة.. الكتاب الإلكتروني طوق نجاة المثقفين اليمنيّين

المهرية نت - العربي الجديد
الجمعة, 31 يناير, 2025 - 01:00 صباحاً

في ظل الحرب المندلعة في البلاد، وجدَ المثقّف اليمني نفسه في عزلةٍ ثقافيّة مُوحشة، فقد توقف دخول الصحف والمجلات والكتب من سلسلة الإصدارات العربية أو الأجنبية التي كانت تتدفق إلى البلاد بشكل مستمر، وكان المثقفون يتهافتون عليها  في جميع المحافظات. خلال السنوات التي تلت انقلاب جماعة أنصار الله "الحوثيين" في أيلول/ سبتمبر 2014، أغُلقت الصحف والمجلات، وتوقّف وصول المطبوعات من كتبٍ ودورياتٍ كانت تصل من الخارج، كما غابت معارض الكتاب، وتوقّف نشاط "اتحاد الكتّاب والأدباء" اليمنيين، وتعرّضت المكتبات العامة للقصف والتدمير والإغلاق، وأغُلقت دور النشر والمطابع اليمنية، أما ما بقي من مطابع فقد توقف عن طباعة الكتب والمجلات ليتحوّل إلى طباعة صور قتلى الحرب.

 

وهكذا أصبح الكتاب الذي يتسلّل إلى اليمن خلال سنوات الحرب العشر، بمثابة هدية ثمينة لا يحصل عليها المثقف اليمني إلا بشق الأنفس. هذا الواقع الذي طال أمده دفع المثقفين، وعلى رأسهم الشاعر فايز محيي الدين البخاري، إلى الاتجاه نحو طباعة الكتاب وتوزيعه وتوثيقه إلكترونياً، واللجوء إلى الكتاب الإلكتروني باعتباره طوق نجاة لمواكبة الإنتاج الثقافي العربي المتجدد.

 

وحول هذا الأمر، يقول الشاعر فايز البخاري لـ"العربي الجديد" إن عدم توفر الإصدارات الجديدة ورقيّاً "دفعني إلى تأسيس 'مكتبة اليمن الإلكترونية' عام 2017. وخلال ثماني سنوات وثّقنا المئات من الكتب اليمنية وسهّلنا للباحثين والدّارسين الوصول إليها، وقدّمنا الدعم لأصحابها عبر إيصال مؤلّفاتهم للقرّاء من مختلف الدول، وضمان توثيقها في شبكة الإنترنت لحمايتها من لصوص الأدب والفكر". ويشير البخاري إلى معاناة المثقف اليمني في الحصول على نسخ من كتابه الذي يطبعه خارج اليمن، حتّى الذين يطبعون لدى دور نشر يملكها يمنيّون وتعمل خارج اليمن، لا يحصلون على كتبهم إلا بمشقة، وهو أمرُّ، على حدّ تعبيره، يدعو للغرابة، إذ كيف لدور نشر يمنية، وإن كان مقرها في الخارج، موجّهة لطباعة الكتاب اليمني، وتستهدف القارئ اليمني بالدرجة الأساس، ألا نجد مطبوعاتها حتى في أكبر المدن اليمنية كصنعاء وعدن وتعز وحضرموت؟

 

غيابٌ شبه كلي للكتب والإصدارات الورقية الجديدة

 

وكحال الحروب كلها في العالم، فقد أثّرت الحرب اليمنية على القيم المجتمعية، حيث تحوّلت الثقافة، التي تعدُّ هوية المجتمع إلى فائض، خصوصاً في ظلّ انشغال فئات المجتمع وعلى رأسها المثقفون، بتوفير لقمة العيش التي بات الحصول عليها من أسمى الأماني.

 

الشاعر عبد المجيد التركي يقول لـ"العربي الجديد" إن "الحرب تأتي فتنهار الكثير من الأساسيات التي لا تستقيم الحياة بدونها. كنا في شهر أيلول/ سبتمبر من كلِّ عام، نذهب إلى "معرض الكتاب الدولي" بصنعاء، وننتظر هذه الفعالية التي تجعلنا نشعر بأنَّ الدنيا لا تزال بخير، وكنّا ننتظر مجلة "نزوى" العمانية، ومجلة "الفيصل" السعودية، ومجلة "البحرين" الثقافية، ومجلة "الرافد" الإماراتية، ومجلة "الكويت"، و"العربي"، و"عالم المعرفة"، و"أخبار الأدب" المصرية، وغيرها الكثير من  المجلات الشهرية والفصلية، كما كنا نكتب في بعض هذه المجلات التي ننتظرها بشغف".

 

ويضيف التركي: "لم تعد هذه المجلات تصل منذ عشر سنوات تقريباً، وصار علينا مواكبتها إلكترونياً، لأنّه الخيار المتاح، وهو أفضل من لا شيء، رغم أنَّ لورق المجلات رائحة يعرفها القارئ جيداً". ويتابع التركي قائلاً إن "أغلب قراءاتي صارت إلكترونية، رغم وجود أكثر من 1400 عنوان في مكتبتي، لكنَّ القراءة من الشاشة صارت أسهل، أو ربّما اعتدنا عليها من الموبايل واللابتوب. القراءة الإلكترونية قد تكون مسايَرة للوضع، فلم يعد شراء الكتاب في قائمة الأولويات، وحين يصبح الحصول على الرغيف صعباً، تصبح القراءة مجرد مضيعة للوقت".

 

عموماً، لا يقف المثقف اليمني اليوم، رغم هذا كله، بصدد المقارنة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، لأنَّ الجميع بلا استثناء يفضّل الكتاب الورقي، لكنّ علاقة المثقف اليمني بالكتاب الإلكتروني صارت إجبارية نتيجة عدم توفّر الكتاب الورقي، وكذا عدم القدرة على توفير شرائه. وفي هذا الصدد، يرى بعض المثقّفين اليمنيّين أنَّ أزمة الكتب في اليمن هي أزمة سابقة للحرب، لكن هذه الإشكالية تفاقمت في زمن الصراع إلى حد الغياب التام.

 

الكاتب سلمان الحميدي يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نعاني من ضعف حضور الإصدارات الجديدة في المكتبات اليمنية قبل الحرب، وكانت المشكلة تتعلّق بضعف الإقبال ربما، وبطء ازدهار سوق الكتاب في البلاد. لم نكن نعرف أننا سنصل إلى هذا الوضع: الغياب شبه الكلي للكتب والإصدارات المطبوعة الجديدة".

 

ويضيف الحميدي أنه خلال عقد كامل من الحرب طلب مرّتين من صديقين خارج اليمن 14 كتاباً وصلت بصعوبة، مضيفاً: "نحن محرومون من الإصدارات الثقافية منذ مطلع 2015، وأحاول تغطية الفراغ الناجم عن عدم مواكبة الجديد باللجوء إلى شراء الأعداد القديمة من المجلات والكتب، من باعة الكتب المستعملة في الأرصفة".

 

ويؤكّد الحميدي أنّه لا غنى عن الكتب والمطبوعات الورقيّة، رغم التطوّر الرقمي وازدهار الكتاب الإلكتروني تحديداً، لكن في ظلّ هذه الحرب والوضع الاقتصادي المتردّي، صارت لديه مكتبة مكوّنة من مئات وربما آلاف الكتب الإلكترونية، لكن علاقته بها خالية من المشاعر، وبضغطة زر واحدة يشعر بأنه يمكن أن يفقدها.

 

لكن مع ذلك كله، ظلّ الكتاب الإلكتروني خيار المثقف اليمني الحتمي كما تؤكد الروائية ذكريات عقلان، حيث تقول لـ"العربي الجديد" إن التعامل مع الكتاب الإلكتروني بات حتمياً بسبب غياب الكتاب الورقي، الذي يملك نكهة خاصة، تماماً كما الرف المكتبي الذي له ملامحه المميزة "فلا تقدر أية مكتبة رقمية أو كتاب إلكتروني أن يحل محلهما، إلا أنّ العصر وتقنيّته فرضت نفسها باعتبارها خيارات بديلة متاحة بشكل أوسع وأسهل، لذا فالكتاب الإلكتروني مثله مثل أي تقنية لها حضورها في عصر التكنولوجيا، صحيح أنه فرض نفسه بقوة، لكنه لم يفرض محبته، فالكاتب متى أُتيحت له خيارات فسيكون الكتاب الورقي خياره الأول".




تعليقات
square-white المزيد في ثقافة وفنون